د ب أ - واشنطن

يمثل صعود الصين التحدي العالمي الأكثر تعقيدًا الذي يواجه رئيسًا أمريكيًا، والصين هي الخصم الأكثر شراسة الذي يواجه الولايات المتحدة، كما أنها دولة سوف يتعيّن على أمريكا أن تجد سبلًا للتعايش معها، بدلًا من الدمار المتبادل، حسبما يرى الخبير

الأمريكي في العلوم السياسية والشؤون الدولية، جراهام آليسون.

ويقول آليسون، الأستاذ السابق بكلية كينيدي للحكم بجامعة هارفارد، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية: إنه إذا ما تمكّن النظام الأوتوقراطي بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، من تحقيق حلمه، ستزيح بكين واشنطن من العديد من مواقع القيادة التي اعتادت عليها الأخيرة خلال «القرن الأمريكي»، وإذا لم يتم إقناع الصين بأن تكبح جماح نفسها، وأن تتعاون حقًا مع الولايات المتحدة، سيكون من قبيل المستحيل تحاشي اندلاع حرب كارثية، أو الحفاظ على مناخ تستطيع فيه الدولتان العيش فيه.

صياغة إستراتيجية

ومن أجل مواجهة هذا التحدي، يتعيّن على الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وفريقه، صياغة إستراتيجية تتجاوز ما وصفه الروائي الأمريكي، سكوت فيتزجيرالد، باختبار «عقل المستوى الأول»، أي «احتفاظ العقل بفكرتين متناقضتين في نفس الوقت، وهو لا يزال يؤدي وظيفته».

ويقول إليسون: ولحسن الحظ، وفي تناقض صارخ مع سلفه، الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، يدخل بايدن هذا الاختبار وهو في وضع استعداد جيد، حيث يتمتع بحنكة اكتسبها من مناصب شغلها عقودًا: فهو النائب السابق للرئيس، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، كما كان نائبًا برلمانيًا خلال حقبة الحرب الباردة، وقد واجه العديد من الخيارات الصعبة، وتمكن من تشكيل رؤى مدروسة بشأن كيف تسير الأمور في العالم.

ومن ناحية، فإنه إذا لم تنهار الصين في عهد الرئيس شي، أو تتصدع، فستكون «أكبر لاعب في تاريخ العالم»، كما وصفها لي كوان يو، رئيس الوزراء ومؤسس سنغافورة الراحل.

ونظرًا لأن عدد سكان الصين يصل إلى أربعة أمثال سكان الولايات المتحدة، فإنه إذا كان الصينيون يتمتعون بنصف الطاقة الإنتاجية للأمريكيين، فإن إجمالي الناتج المحلي للصين سوف يكون ضعف إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة، ومن شأن هذا أن يسمح للصين بأن تستثمر في مجال الدفاع ضعف ما تنفقه أمريكا.

وقال آليسون: إنه منذ بداية القرن الحادي والعشرين، صعدت الصين لتصبح أكبر اقتصاد في العالم (بحسب نظام القياس الذي تحدد من خلاله وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أفضل معيار للمقارنة بين الاقتصادات الوطنية)، وقد صارت اليوم ورشة التصنيع في العالم، والشريك التجاري الأول لمعظم الاقتصادات الرئيسية، وأيضًا المحرك الأول لنمو الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية في 2008 وبنهاية عام 2020، سيكون هناك اقتصاد كبير واحد فقط أكبر؛ مما كان عليه في بداية العام، وهو ليس اقتصاد الولايات المتحدة.

مواجهة «السوفيت»

وبصفته سياسيًا، يدرك بايدن أن التفويض الذي يناله زعماء الدول بالحكم يستند إلى قدرتهم على تحسين ظروف معيشة شعوبهم، وأن أي محاولة لإجبارهم على الاختيار بين علاقة عسكرية مع أمريكا توفر لهم الأمن، وبين علاقة اقتصادية مع الصين، وهي ضرورية لرفاهيتهم، لا يقوم بها إلا أحمق، إن حشد القوة المتحالفة والمنحازة في شبكة أكثر تعقيدًا سيكون أكثر صعوبة بكثير

مما كان عليه الحال في مواجهة الاتحاد السوفيتي «السابق».

من ناحية أخرى، يدرك بايدن تمامًا مشاركة الولايات المتحدة والصين في عالم صغير، حيث تواجه كل منهما تحديات وجودية، لا تستطيع الانتصار عليها بمفردها.

وكمحارب مخضرم يعود لزمن الحرب الباردة، يدرك بايدن على نحو لا يدركه معظم الجيل الحالي أننا ما زلنا نعيش في عالم «دمار نووي متبادل».

ففي أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية، تعلّم الرئيس الراحل جون كينيدي وخلفاؤه الدرس الذي لخّصه الرئيس الراحل أيضًا رونالد ريجان في براعة عندما قال: لا يمكن أن يكون هناك منتصر في حرب نووية، ولذلك يجب ألا نلجأ إليها أبدًا.

وكان إدراك ماذا يعني هذا عمليًا فيما يتعلق بتنافس الولايات المتحدة مع «إمبراطورية الشر» (وصف ريجان للاتحاد السوفيتي في أوائل ثمانينيات القرن الماضي)، صراعًا هائلًا- قضى فيه بايدن ساعات طويلة (لا تحصى) في مساعدة زملائه في مجلس الشيوخ على إدراكه.