سالم اليامي

تمثل عبارة «ما فيه أحد مرتاح» تعبير مختصر، ومباشر، ودقيق على حالة عامة يعيشها الناس في كل مكان تقريباً. الناس كل الناس، الغني والفقير، المشهور والمغمور على باب الله، المبدع، الفنان المبتكر والمخلوق العادي، الذي هيأ نفسه ليأكل ويشرب وينام ويتناسل فقط لا غير.

قد نتساءل بشكل جماعي أنتم وأنا لماذا هذه الحالة، التي تغشى الناس، هل هي طبيعة الحياة، هل هي حالة الطمع الفردي في الحصول على كل شيء في هذه الحياة، قد يكون ذلك، وقد تكون أسباب أخرى الله وحده أعلم بها.

المفيد أن ما أحالني على التفكير هذه الجزئية هو أنني وجدت نافذة على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي وفرت لي مجموعة حلقات لبرنامج جماهيري كان وربما لا يزال يعرض على إحدى الفضائيات الخاصة، مهمة البرنامج وفكرته العامة إعادة التواصل مع مَنْ كانوا حاضرين في المشهد العام أمام الناس، ثم تواروا عن الأنظار، هؤلاء كانوا في التليفزيون والصحافة وملاعب الرياضة، وفِي الأغنية والشعر، وحتى في الوظيفة العامة، التي كانت محل أنظار الناس. البرنامج يبحث عنهم ويحاورهم ويذكرهم بالناس، ويذكر الناس بهم، ويستقصي مسيرة غيابهم. ويكشف وبطريقة خاصة وربما ناعمة عن كثير مما في أنفسهم من لحظات فرح، وإنجاز، وإبداع، وأيضا يكشف بشكل ناعم وربما غير ملحوظ عن بعض الخيبات، أو لنقل الأماني، التي لم تتحقق لهذا النجم، أو ذاك.

بعد أن شاهدت مجموعة من الحلقات بشكل عشوائي، كأني بدأت أتلمس عناصر متشابهة لدى أغلب الضيوف، ومن هنا بدأت أنتقي الحلقات، التي أشاهدها بحسب تخصص الضيف، وتابعت حلقة على الأقل لمطرب، وملحن، وشاعر، ومذيع تليفزيوني، ونجم كرة قدم، وهكذا، وعندها بدأت ملامح جديدة لدى كل هؤلاء تتبلور عندي. أول وأهم ملمح تلك الدرجة من عدم الرضا الموجودة لدى الغالبية، الكل شرح بطريقته حالة نقص في التقدير، أو التثمين لمواقفه، وخدماته، وما قدمه في مسيرته من عطاءات يعتقد أنه جيرها للوطن، والناس، ولكنه لم يجد المقابل المكافئ لكل ذلك سواء معنوياً، أو مادياً. البعض عزاها لعدم وجود تفهم لطبيعة المبدع، وآخر تحدث عن غياب مفهوم التكريم في مجتمعنا، وحياتنا العملية للنجوم، وثالث عزاها للبيروقراطية، وغياب مفاهيم الإبداع عن تقليدية الفكر الوظيفي. في بعض المجالات المتميزة كما في حالة العاملين كمذيعين في التليفزيون من الجيل، الذي ظهر في الثمانينيات والتسعينيات كان هناك حديث كثير عن غياب التقدير للإبداع وأكثر من ذلك هناك مَنْ رأى أن المحسوبيات والشلليات تمثل عامل طرد للمبدعين، كما أن هناك مَنْ حاول أن يفصل ويفرق بين الموقع الإداري التقليدي وبين العمل الإبداعي الخلاق. بمحاولة تأكيد مقولة البيروقراطية الوظيفية تقتل الإبداع، والإبداع لا يمكن أن ينمو في مناخ غير إبداعي. تفاجأت بأن هناك مَنْ أكد أنه فضّل الخروج من المنافسة غير المتكافئة وطلب التقاعد المبكر مثلاً. وغيره طلب الانتقال للقطاع الخاص ونقل خدماته إلى مناخ أقل حربا وربما أكثر في المقابل المادي.

البرنامج جماهيري بحق، ويتوافر له فريق عمل مناسب يمثله أمام المشاهدين مذيع هادئ يستمع جيدا ويطرح أسئلة بالقدر، الذي يفتح أمام الضيف مسارات للحكاية. ويتوج كل ذلك بأدب ورقة في الحوار.

هذا البرنامج إضافة إلى الإشباع، الذي يقدمه للناس بمعرفة حياة ومستقبل مَنْ كانوا في سدة الشهرة يوماً، هو يقدم لنا بصورة غير مباشرة نواحي نقص خطيرة في معظم مناشط حياتنا العملية. جيد أن نعرف جوانب النقص والقصور لدينا، وأفضل من ذلك أن نسعى إلى حلها بتطوير أدوات التقدير والتكريم والاهتمام بكل مبدع يقدم خدمة لهذا المجتمع. بدل أن نكرر ونؤكد مقولة ما في أحد مرتاح، أو أن كل الناس في عدم التقدير سواء.

@salemalyami