محمد العصيمي

بعد حوالي ثلاثين سنة من مغادرتها والإقامة في جدة ثم المنطقة الشرقية، زرت الرياض هذه الأيام لعدة مرات وأقمت فيها، كل مرة، عدة أيام مكنتني من التعرف على بعض ملامحها الحديثة. الرياض التي أعرفها هي رياض الثمانينيات الميلادية، أو رياض الشيخ عبدالله النعيم (أبو علي) الذي حين بنى لنا، آنذاك، جسورا حديدية مؤقتة صفقنا له طربا وفرحا بهذا الإنجاز الذي أنقذنا من مغبة الانتظار أمام إشارات المرور لساعات. كانت أبعد مسافة باتجاه الشرق حي الروضة الجديد الذي يعتبر من يسكنه آنذاك من أهل المال والجاه والعقارات. وباتجاه الشمال كانت العليا منطقة علية القوم من رجال الأعمال الذين نزحوا من جنوب المدينة بفضل أرزاقهم الجديدة ليكونوا في حيهم الجديد طبقة لا تتحدث مع غيرها إلا للضرورة. وبقي أن أذكر من الملامح التي لا تزال في ذاكرتي مبنى مؤسسة اليمامة الصحفية في الملز، التي اشتغلت فيها في صحيفة الرياض محررا صحفيا مبتدئا ومجتهدا يبحث عن مجد مفقود.

الآن ما هي الرياض؟ وكيف لي أن أعيدها إلى تلك الحدود البسيطة عمرانيا وبشريا مع ما تشهده من صعود رأسي وأفقي، بل مع ما تشهده من ملامح ومعايير المدن الدولية الكبرى. في بعض ما رأيت مؤخرا أشياء تفوق ما رأيت في مدن مثل نيويورك ولندن وباريس واستانبول التي ربما أصابها العجز والخرف.

ومع شبابها الجديد، المفعم بالطموح والآمال الكبيرة، لا نهاية لتطلعات الرياض وتجارتها وعقاراتها ومعالمها و(ترفيهاتها) التي كانت فيما مضى لا تتجاوز مقهيين على ناصيتين يقدمان، للرجال فقط، الشاي المخدر وشيشة الجراك التي تحتفظ بمائها حتى يسود.

من يعرف الرياض قديما لا يعرفها حديثا، بل إنه، في كل مكان وعند كل زاوية، يحك رأسه ليستوعب أين يقف وإلى أين سيتجه في هذا المدينة التي لم تعد تنام أو تتثاءب. حفظها الله.

ma_alosaimi @