عاصم أحمد المعلمي

هذا هو المقال الأول تحت هذه الزاوية أفد به عليك أيها القارئ الكريم من باب الهندرة ودون هذا الباب علم الإدارة وفنها وتصاريف الإداريين ونحوهم وتطور مناهجهم، الإدارة الفن الذي اقترن بعمل الإنسان قبل أي شيء آخر، فهو طبيعة في الإنسان كونه حارثا وهماما كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي كل يوم جديد ومع أول خيوط اليقظة يسعى الإنسان لشأن يعنيه، فإن أدرك ما يسعى إليه واستعد له بترتيب وقته وأولوياته، فقد مارس دورا من أدوار الإدارة، وإن نفذ وراجع وحاسب فقد استرسل في إدارته لشؤونه بأدوار الإدارة الأخرى، وهكذا هو الإنسان يدير حياته وكثيرا من الأحيان يدير شؤون غيره مع شؤونه أو لفائدة شؤونه، لذا يحق لي أن أقول لك «يا عزيزي.. كلنا مدراء».

ذكرت أنني أفد بهذا المقال من باب الهندرة، فما تكون هذه الهندرة ولماذا بابها؟، في هذه الزاوية اتخذت من الإدارة منطلقا، فأنا أصوغ حروفي من وحيها، وأنسج المعاني حولها، فالإدارة في فلكها متغيرة متجددة بل إنها يثور بعضها على بعض فتتشكل مبادئ وتتحور أخرى وقد تندثر، وتنطلق نظريات جديدة بعنفوان فتغمر العالمين وتشغلهم فهما ونقلا وتطبيقا وتعليما، ثم يهب لها مناهضون وناقدون، وهكذا هي الإدارة بحر علم وفن لا يستقر. وقد استقيت اسم الهندرة من بحرها ولمعناه الذي تكون من عبارة «هندسة الإدارة» والتي جمعت الإدارة بالهندسة في دلالة على أن للإدارة حركة ديناميكية مترابطة ضمن بناء متين وموزون لبلوغ أهدافها، ومقصد الهندرة هو البدء من الصفر عند وجود الخلل للوصول إلى الوضع المأمول من هذا البناء الإداري بخططه وعملياته وأهدافه.

ومن مضمون هذه الكلمة أعرض للبدايات والمبادئ الأولى وقصص النجاح والإخفاق أحيانا لرواد الإدارة الأوائل ونظرياتهم وفرضياتهم ومناهجهم، كما أقرأ من الواقع مستجداتها وأحداثها، وأستشرف مستقبلها بإرهاصات وآراء المتبصرين في هذا العلم، كما أورد في سياق ذلك المقارنات بين هذا وذاك، وهدفي من هذا كله أن يرى القارئ الكريم عالم الإدارة من النافذة الكبيرة بعيدا عن الصورة النمطية المؤطرة لهذا العلم وفنونه.

سيكون للفرد وفهمه للإدارة من حوله الكثير من الوقفات، كي يبصر أحدنا ما انحجب من جوانب تنمي حسه وإدراكه بما لديه من قدرات ومهارات تمكنه من تحقيق الكفاءة في ممارساته الحياتية والعملية، فالفرد هو نواة المنظمات وبدون الأفراد لا يمكن للأعمال أن توجد أو تستمر، لذا فالأفراد الواعون بقدراتهم الإدارية، العارفون بجوانب الإدارة الصحيحة يكونون دعائم نجاح وتطور في هذه المنظمات، على غير أفراد لا يدركون دورهم ومكانهم في منظومة العمل فيمسون كألغام تهدد سير المنظمة نحو هدفها بما قد يرتكبه أحدهم من أخطاء أو يسببه من معوقات.

إن لكل مجتمع لغته وثقافته ولكل علم مفرداته، ولعلم الإدارة وأهله لغتهم المشتركة وثقافتهم المتداولة والمتجددة، وسيكون لمفردات الإدارة وسلوكيات الإداريين وعاداتهم كثير من التعرض بالحديث، وقد قيل «من تعلم لغة قوم أمن مكرهم»، وليس أبلغ حيلة من مدير محنك يجيد إدارة الناس من حوله !.. فدعونا إذن ندخل من هذا الباب ولنهندر معا في بحر الإدارة.