ترجمة: إسلام فرج

هزيمة جديدة لموسكو تبعدها عن دول الجوار

قالت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية: إن نتيجة الانتخابات التي جرت في مولدوفا تشكل ضربة للنفوذ الإقليمي لروسيا.

وبحسب مقال لـ «نيكولا ريوتي»، فإن انتصار السياسية الموالية للغرب مايا ساندو يُظهر أن بوتين يفقد قبضته على روسيا في الخارج.

وأشار إلى أن محاولات الرئيس فلاديمير بوتين للإبقاء على جيران روسيا المباشرين قريبين تنهار، حيث انضم مواطنو مولدوفا إلى قيرغيزستان وبيلاروسيا الذين فقدوا خلال الأيام والأشهر الأخيرة صبرهم مع القادة سيئي السمعة المدعومين من موسكو.

مقاومة النفوذ

الكاتب ريوتي يقول: تشير نتائج الانتخابات في البلدان الثلاثة إلى فشل سياسة بوتين في دعم الأنظمة المتحالفة في مجال النفوذ التاريخي لروسيا، حيث تقاوم القوى الديمقراطية الناشئة في الدول الشيوعية السابقة والتي تستجيب ببطء للإصلاح، النظام السياسي الذي يفضله الزعيم الروسي والذي يعتمد على الديمقراطية المدارة، وهو نظام يتألف من عناصر ديمقراطية (برلمانات وأحزاب متعددة وانتخابات) تخفي بحكم الواقع الاستبداد، حيث يتم انتخاب نفس القادة المستبدين وأحزابهم لتولي مناصبهم مرة بعد مرة، من خلال الاقتراع والتلاعب الإعلامي.

ولفت إلى أن قدرة بوتين تتناقص فيما يخص التأثير على الأحداث التي تقع على أطراف بلاده، موضحًا أنه عندما تجدد نزاع ناغورنو كاراباخ كان مترددًا في دعم حليفته أرمينيا ضد أذربيجان، ولم يتمكن سوى من تأمين وقف لإطلاق النار تم بموجبه إجبار الأولى على تقديم تنازلات إقليمية.

وأردف يقول: لم يكن بوتين حذرًا من مواجهة تركيا الداعمة لأذربيجان فحسب، بل كان حذرًا أيضًا من دعم رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الذي أطاحت ثورته المخملية بالحزب الجمهوري الموالي لموسكو.

ومضى يقول: كل هذا بعيد كل البعد عن القوة والثقة التي تحلّى بها بوتين عندما قام في 2014 بضم شبه جزيرة القرم بوقاحة وسهّل استيلاء وكلائه المحليين على جزء كبير من شرق أوكرانيا، بعد أقل من عقد من التدخل الروسي المماثل في جورجيا، لقد رفض الغضب الغربي بشأن الحملتين العسكريتين، وقدّم نفسه لجمهوره المحلي كمدافع جريء عن المصالح الروسية في الخارج المجاور.

انخفاض التأييد

وبحسب الكاتب، فإن بوتين الذي يكافح الآن لوقف التدهور الاقتصادي والسيطرة على جائحة كورونا، ويواجه انخفاض معدلات التأييد، لا يبدو واثقًا من نفسه كما كان في السابق.

وشدد الكاتب على أن نتيجة الانتخابات التي جرت في مولدوفا مؤخرًا يجب أن تدفع الكرملين إلى فحص الأسباب التي تحبط طموحاته الإمبريالية بشكل متزايد.

ستعطي نتيجة انتخابات مولدوفا في وقت سابق من هذا الشهر، الكرملين سببًا إضافيًا لفحص لماذا وأين تسوء طموحاته الإمبريالية الجديدة التي طال أمدها، ولكن المحبطة بشكل متزايد.

ولفت إلى أن أقرب مساعدي بوتين كانوا مقتنعين بأن إيغور دودون، رجلهم في مولدوفا، البلد الصغير، لكنه مهم من الناحية الإستراتيجية، سيحقق النصر في الانتخابات الرئاسية، بعد كل الدعم المالي والإداري الذي حصل عليه خلال الحملة الانتخابية.

وتابع: لكن دودون المثير للانقسام والموالي لموسكو هُزم على يد الإصلاحية، مايا ساندو ذات الميول الغربية، المتحمسة الحريصة على تسريع اندماج بلادها في الاتحاد الأوروبي.

الاتجاه غربًا

وأوضح ريوتي في مقاله، أن انتصارها يعكس تحولًا مهمًا في المزاج العام، مضيفًا: في بلد يستغل فيه السياسيون التوترات الجيوسياسية بشكل متكرر، يشير ذلك إلى أن العديد من سكان مولدوفا قد سئموا ليس فقط من إثارة الذعر ضد الغرب ولكن أيضًا من تقريع روسيا.

وأردف: علاوة على ذلك، بدأ سكان مولدوفا في تقدير الغرب للأشياء الجيدة التي يمثلها، مثل التعليم اللائق، والانتخابات النزيهة، وعدم التسامح مع الفساد، بدلًا من التحوط ضد الدبابات الروسية.

ونوه إلى أن هذا التحول الواضح في التصور سيثير قلق بوتين، لكن مع ذلك لا يزال سكان مولدوفا الذين يتعاطفون مع روسيا يشكلون قوة انتخابية كبيرة يمكنه حشدها عند الحاجة.

ومضى يقول: لذلك، في حين أن انتصار ساندو يؤكد ضعف سيطرة روسيا، إلا أنه لا يزال يلقي بظلاله على البلاد، التي احتلت القوات الروسية جزءًا منها، جمهورية ترانسنيستريا الانفصالية، منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات.

ولفت الكاتب إلى أن تفسير كل أزمة سياسية في دولة سوفيتية سابقة على أنها شد وجذب بين الشرق والغرب يخطئ الهدف، لأن المشكلة هي نظام المحسوبية والمحسوبية والفساد الراسخ.

الورقة الإستراتيجية

ويواصل الكاتب بالقول: تم نشر القوات الروسية هناك في البداية كقوات حفظ سلام، وظلت موسكو الداعم المالي الرئيسي لـ«ترانسنيستريا»، بعد فترة وجيزة من ضم شبه جزيرة القرم، دعا المسؤولون في الجمهورية الانفصالية، الكرملين إما إلى دمج الكيان في روسيا أو الاعتراف به كدولة ذات سيادة، ليبقى الإقليم بوضوح ورقة إستراتيجية يمكن اللعب بها متى احتاج الكرملين إليها.

وتابع: لما كان الكرملين ينظر إلى الثورات الملونة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على أنها تحدٍ مباشر، أراد بوتين أن يرى إما أنظمة استبدادية، وإن كانت ليبرالية اقتصاديًا، أو ديمقراطيات مُدارة، مما يمكنه من متابعة طموحاته الإمبريالية الجديدة وإبقاء الناتو والمنظمات الغربية الأخرى في وضع حرج.

وأردف: لكن الإطاحة بالحكومات الفاسدة والاستبدادية في أوكرانيا وجورجيا عززت انتشار ديناميكية الديمقراطية الناشئة في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، حيث أدرك المواطنون أن أسس الأنظمة التي حكمتهم منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي ضعيفة وقابلة للتغير. ولفت الكاتب إلى أن انتصار ساندو أكبر بكثير من مجرد انتصار انتخابي مثير للإعجاب، وأضاف: لم تتغلب ساندو على شاغل المنصب الموالي لروسيا فحسب، بل تغلبت أيضًا على رجل استثمر الكرملين فيه كثيرًا كي ينجح، عن طريق الدعم الإعلامي والمشورة وتمويل الحملة، ومع ذلك فقد فشل في تحقيق الفوز لحليفه.