د. جاسم المطوع

الصديق مثل الشجرة تستظل بظلها وقت حرارة الشمس، وتأكل من ثمارها إذا جعت، وتستفيد من خشبها إذا قطعتها، وتسعدك بجمالها إذا نظرت إليها، وخير الأصدقاء هم أصدقاء العمر، فصحبتهم شرف ورفقتهم أمان، ومستحيل أن تنساهم، فالأصدقاء كثر، منهم أصدقاء المدرسة، ومنهم زملاء العمل، ومنهم أصدقاء من الأقارب، ومنهم أصدقاء النت أو شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن أصدقاء العمر هؤلاء مختلفون عن الجميع، فهم مخلصون أوفياء ويعرفون ماذا تحب وماذا تكره، ويقفون معك في المواقف الصعبة، ويساعدونك إذا وقعت في مشكلة اجتماعية أو أزمة مالية.

من صفاتهم، أنهم يشتركون معك في الهواية والاهتمام، ويحترمون نقاط الخلاف بينك وبينهم، فالصديق الذكي الذي يحافظ على الصداقة لفترة طويلة هو الصديق، الذي يعرف كيف يتعامل مع الخلاف أو الاختلاف لو حصل، كما أنه يصدقك الحديث ويصارحك في عيوبك ونقاط ضعفك من باب المحبة والإخوة لا من باب النقد والتحطيم أو الانتقام، كما أنه يشاركك أفراحك وأحزانك وإنجازاتك، فلو كان عندك إنجاز وسألتك مَنْ أول شخص تفكر أن تخبره بعد والديك لقلت لي فلانا صديق عمري، ومن صفات صديق العمر أنه يحرص على صحبتك، فيتواصل معك بين حين وآخر، ولا يشترط أن يكون التواصل يومي، ولكن المهم أن يكون متواصلا معك.

وهناك ثلاث صفات لا تصلح أن تكون في صديق العمر، الأولى إذا قطع التواصل معك أو أنه لا يرد عليك إذا اتصلت فيه، وإذا واجهته يتحجج أمامك بأعذار واهية وضعيفة، والصفة الثانية هي إذا كان ذا وجهين فيكون أمامك بوجه ومن خلفك بوجه آخر في الكلام والمعاملة، والصفة الثالثة إذا كان يفسد أفكارك أو أخلاقك أو معتقدك.

ومن الصعب تحديد موقع الصديق من حياتك، فقد يكون صديقك قد تعرفت عليه بالمدرسة، أو قد يكون والدك أو أحد أقاربك، فقد ورد بالأثر: (رب أخ لك لم تلده أمك)، وإذا رزقك الله بصديق مخلص ووفي، فهذه نعمة من الله تعالى، فالإنسان يحب أن يعيش الحب في العلاقات الاجتماعية، فلو رزقت بصديق يحبك فإن هذا الحب يشعرك بالسعادة والاستقرار النفسي وراحة البال، وأقوى صداقة عندما تقوم على أساس الإيمان والتعاون والطاعة، كما قال تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)، فالأخلاء هم الأصدقاء، وكلما كانت علاقتهم مرتبطة بالله تعالى كانت فيها منفعة كبيرة، ولهذا نحن نسمي صديق العمر الوفي (أخو دنيا) لأنه ليس أخا بالنسب أو بالدم.

وسلامة الصدر من الأحقاد والكراهية من صفات الصداقة في الآخرة، قال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) فقد جاءوا إلى الآخرة وقلوبهم نظيفة طاهرة من كل حقد وكراهية، وهذه هي الصداقة الحقيقية، أما أهل النار -نسأل الله العافية- فإنهم يلتفتون يمينا ويسارا يبحثون عن أصدقائهم، الذين لم ينفعوهم فيقولون: (فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) والصديق الحميم هو الصديق، الذي يفي لصديقه، ولكن أهل النار لم يكن لهم صديق ناصح ووفي.

فعمر الصداقة طويل لا يقتصر على عمر الدنيا، فقد يمتد إلى الآخرة كذلك، ومن القصص الجميلة، التي عشتها لأحد أقربائي يحدثني يوما عن صديق عمره وقد امتدت صداقتهما لأكثر من ستين سنة وكانوا سعداء بهذه الصداقة، وكان أحدهما تاجرا فطلب منه صديقه أكثر من مرة أن يشاركه بالتجارة، ولكنه كان يرفض ويقول له: لا أريد أن أخسر صداقتي بسبب المال، فالصداقة عندي أهم من المال.

@drjasem