أمجاد سند - الدمام

أكد الأستاذ الجامعي الحاصل على شهادة الماجستير في الفلسفة وطالب الدكتوراة بتخصص الفلسفة الكاتب والمؤلف والباحث وائل القاسم، أن المملكة تخطو اليوم خطوات واعدة نحو الانفتاح والاستنارة العقلية، ومن أبرز تلك الخطوات إعلان وزارة التعليم قرار تدريس منهج في الفلسفة والتفكير النقدي في المدارس، قائلا: بالإضافة إلى ارتفاع سقف حرية التعبير عن المسائل الفلسفية التي كان من الصعب الحديث عنها سابقا، وهذا واضح اليوم لمن يتأمل الصحف ووسائل الإعلام ومختلف مواقع التواصل، فالفلسفة تعمل على تنمية الحس النقدي والمهارات العقلية التأملية التحليلية العميقة، فلا يقبل ولا يرفض فيها أي شيء إلا ببرهان بين مقنع لعقله هو، لا لعقول غيره.

وأضاف: قد يستغرب البعض حين أقول إن عدد الفلاسفة في السعودية كبير، وهذا طبعا إذا نظرنا إلى الفلسفة من خلال مدلولها العام، الذي يعني حب الحكمة أو الرغبة في الحكمة، أو من خلال التعريفات التي أراها أنا صحيحة، كقولي إن الفلسفة هي التأمل العميق المترابط الشامل في أصول الأشياء وغاياتها وماهياتها وجواهرها وعللها وتعليلاتها، بهدوء تام واستمتاع ذهني طويل النفس، بغية الوصول إلى حلول جادة رصينة رزينة متينة للمشكلات الإنسانية عامة، والكبرى منها على وجه الخصوص، في مختلف المجالات‏، وأعتقد أن عدد الفلاسفة والمتفلسفين في المملكة كبير، وهذا ظاهر في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، حيث ألاحظ باستمرار -وهذا مبشر ومفرح- وجود أعداد كبيرة من الأشخاص من الجنسين -خاصة من الشباب والجيل الجديد- أصبحوا يمارسون فعل التفلسف بشكل جميل تتحقق فيه السمات العامة التي يتميز بها من يوصف بالفيلسوف.

و‏أوضح أنه عندما يقرأ عامة الناس أو يسمعون كلمة «فيلسوف» عادة تتبادر إلى أذهان كثير منهم صورة ذلك الإنسان الغارق في التأمل والخيالات والهدوء والتفكير العميق، أو صورة إنسان بارد متفائل بلا حدود، لا يكترث لشيء أبدا، ولا يعرف القلق ولا الهم ولا الغم، فتتبادر الصورتان وغيرهما من الصور المشابهة، وقد تكون الصورة الأولى صحيحة في كثير من الأحيان، ولكن المؤكد هو أن الفيلسوف على عكس الصورة الثانية غالبا، فهو أكثر الناس قلقا وتعبا رغم استمتاعه البالغ بعمل عقله، لأنه يحمل هما كبيرا، كيف لا وهو المشغول بالتأمل الواسع للاستفهامات العظيمة الحائرة، والبحث المركز عن الإجابات السليمة الدقيقة الغائرة الثائرة لمشاكل الكون والحياة والبشر، خاصة البارزة الرئيسية الأكثر عمومية منها، ولكن قلقه خفي عن الناس، لأنه تجاوز الاهتمام بالصغائر والأوهام والتفاهات التي اعتاد كثير من الناس سرعة التأثر بها، والانجرار معها، والانجراف في أوديتها.

واستكمل القاسم، قائلا: يتميز الفيلسوف -في نظري- بعدد من الخصائص العقلية، أبرزها في اعتقادي -دون شرح ولا إسهاب- ديمومة وكثرة الاستفهامات، والإلحاح في التساؤلات، والشك المستمر والنقد القوي، والدهشات والتعجبات المتتابعة، والحزم المنطقي، والتجرد والحياد عند الحكم على الأمور والأشياء، وبذلك قد يصح القول إن الفيلسوف هو الإنسان الذي يبحث في ماهيات الأشياء وأصولها وغاياتها وعللها وعلاقة بعضها ببعض، بهدف تكوين نظرة عامة شمولية يستطيع من خلالها الإدلاء بدلوه في حل المشكلات الكونية والإنسانية العويصة، والإجابة عن التساؤلات المؤرقة للبشر، وخاصة الكبرى والأكثر عمومية.

وعن تأثير الصحوة على الفلسفة، أضاف القاسم: إن الصحوة تعني الاستيقاظ والانتعاش والنهوض والتقدم، وهذه التي تسمى «صحوة» لم تكن أكثر من نوم طويل، منعنا من التقدم والازدهار المفترض طيلة عقود طويلة للأسف الشديد، وقد أثر ذلك تأثيرا سلبيا على أمور كثيرة في بلادنا ومجتمعنا، ومن ذلك الفلسفة بلا أدنى شك، ويعترض البعض على وجود الفلسفة في بلادنا، وعلى تدريسها في مدارسنا، وعلى السماح للمهتمين بالفلسفة بقول ما لديهم ونشر ما لديهم، والحقيقة هي أن كل تلك الاعتراضات ناتجة عن الخوف من الفلسفة، وهو الخوف الذي قلنا كثيرا إنه ناتج عن الجهل بها، فهذا الجهل الذي كان سائدا ومنتشرا في عقول كثير من الناس، كان من الضروري إزالته والقضاء عليه من خلال السماح للفلسفة وأساتذتها والمهتمين بها بالعبور بما لديهم إلى عقول الناس في كل مكان بشكل عام، وإلى عقول الناشئة في المدارس والجامعات بشكل خاص، والحمد لله نرى ذلك يتحقق تدريجيا اليوم، مع هذه النهضة العامة الكبيرة المباركة، التي يعيشها وطننا العزيز في مختلف المجالات.

وأوضح أن الفلسفة هي أم العلوم، وإليها تنتهي جميع مجالات المعارف الإنسانية، وأعرب عن أمله في أن يزيد الاهتمام بالفلسفة، لصقل المواهب العقلية التي تمتلك خصائص التفكير الفلسفي من أبناء وبنات الوطن، فنحن نعيش في عصر تخوض فيه الشعوب أشرس معارك التنافس في ميادين التقدم والإبداع والنجاح والنهضة والإنتاج البشري المثمر بمختلف أشكاله.