مشعل أبا الودع

تخيل معي لو كان العالم بأسره نسخا متطابقة من بني البشر، بنفس اللون والعرق والجنس، وبنفس الفكر والمبادئ والمعتقدات، لا شك أن عقلك توقف بمجرد التفكير في الأمر، وبدا لك مجنونا ومستحيلا.. تخيل الآن أننا رغم ذلك ننصاغ عكس هذا الاختلاف الذي جبلت عليه طبيعتنا من الأساس.

يقضي الإنسان حياته بأكملها يهرول خلف أهدافه، ويحاول نهج نفس الطرق التي اتخذها الآخرون من قبله، ينسى أنه مختلف عنهم تماما، وأن لا شيء يسمح له في أن يفكر في هذه الطريقة التي تحد من سبله والفرص التي لا تعد على هذه الأرض.

يختلف الناس في تربيتهم وثقافتهم وكذا الظروف التي مروا منها، وهي كلها عوامل متداخلة تتحكم في تنشئتهم وتفكيرهم وفي تعاملهم مع الأمور من حولهم، وباختلافهم مع الآخرين من غير المنطقي أبدا أن يبحث الإنسان في الطريق الذي سلكه واحد من هؤلاء ويدخل غماره عن آخره.

على المرء أن يتعلم كيف يختار منهجه الخاص للوصول إلى أهدافه، فطبعا لا بأس من إطلالة بسيطة على تجارب الآخرين للتعلم من أخطائهم، لكن هذا لا يسمح أبدا بنسخ التجربة ذاتها ومحاولة تطبيقها كما أنزلت، على أرض الواقع.. لأنها غالبا ستقضي بصاحبها نحو الفشل، وإن حدث وأفلح فيها ستنقصها دائما تلك الروح المنفردة التي تميزها.

الخلاصة، عليك أن تكون أنت المهندس والمصمم لتجربتك الخاصة، وأن توقظ بذلك أفكارك الملهمة من سباتها، لا أن تنتظر الآخر يملي عليك العنوان والأحداث والخاتمة. إن الله هو الواسع العليم، وسع من السبل وفرق بين الأرزاق وأوحى لكل شخص بشيء يميزه عن الباقين، وما على هذا الأخير سوى أن يبحث في داخله عن هذا الشيء ويجعل منه شعلة تدفعه نحو الأمام.

هذه الشعلة أو هذا الطائر الحر الذي يسكن كل واحد منا لا يظهر بمحض الصدفة، بل علينا أن نسافر في ذواتنا ونفهمها.. ونحاول باستمرار خوض تجارب جديدة دون أن نخشى الفشل.

عندما ينهض الإنسان ويسعى في الأرض، بنية استمداد طاقاته من رب العالمين ومن المصدر الذي جاء منه، ستظهر أمامه الخيارات الكبرى، وستتيسر له الأمور لا محالة. في المقابل، عندما يتخذ منهج التبعية فهو يغلق على نفسه ويحد من اتساع أبواب العلم واليقظة، وأقصد بالعلم هنا، تلك المعلومات التي ستظهر أمامه وتسهل عليه الوصول إلى أفضل النتائج بأيسر الطرق.

في الختام، على الإنسان أن يدرك اختلافه ويتيقن بأن الطرق واسعة ومختلفة، فما عليه سوى أن يفتح عين قلبه ويكون يقظا دائما.

alharby0111@