سكينة المشيخص

حالة التطرف الإجرامية، التي ضربت فرنسا مؤخرا وقبلها في عدة مواقع حول العالم، لا تمثل الإسلام شكلا أو مضمونا، فالديانات السماوية جميعها لا تحتمل قبول نواة أو بذرة فكرية لانهيار مبادئ الإنسانية، ويكفي أن الدين الإسلامي هو السلام في جوهره، وقد كان النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» نموذجا فاضلا وعاليا في التسامح والصبر وتحمّل الأذى، وقد كتب عنه المفكر والشاعر الفرنسي لامارتين ما لم يكتبه عنه أحد من توصيف رائع وشفاف لهذه الشخصية الخالدة.

جميعنا في عالمنا الإسلامي على يقين قاطع بأن نبينا الكريم أكبر من أن يشتمه أو يسبه أو يستهزئ به أحد، ويكفي أن الله كفاه المستهزئين، وهي كفاية لا يمكن أن يفهمها أي متطرف ينتمي للإسلام أنه مخوّل إلهيا ليقوم بها من أجل مَنْ يستهزئ بالنبي الكريم، ولا بد أن هناك سوء فهم وتضليلا يصل حد الجهل في إظهار رد فعل عشوائي لفعل يجهل القيمة السامقة لنبينا ورسولنا.

ذلك يعني ضمنا حوارا فكريا معمقا مع الآخر، الذي ابتدر استثارة واستفزاز أولئك، الذين يحملون سلم الدين بالعرض، أو ينظرون إلى النصف الفارغ من فهم الآخرين لحقيقة ديننا، فنحن نؤمن بأن الإسلام يحمل في طياته كمية هائلة من المبدأ الليبرالي، الذي يجعل الآخرين في سياق «مَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر»، وكما أن الأديان الأخرى مقاربة لذلك إلا أن مَنْ ينحرفون بطاقتهم الدينية إلى أقصى درجات الانحراف الفكري والعقدي موجودون، ولكن أغلبهم يستتر ويخفي متاعب في رؤيتهم للنصوص وتفسيرهم لها.

هناك متطرفون في جميع الأديان ولا يختص الإسلام بذلك دون غيره، لذلك وحتى لا نجعل الحالة الفرنسية تمثل تحديا لحوار الثقافات والأديان ينبغي أن ننظر إلى الصورة الكلية، التي تجعل مبدأ احترام العقائد هو السبيل الأمثل لتحييد المتطرفين، وربما كان عمدة نيس، كريستيان إيستروسي، دقيقا في وصفه لمنفذ عملية نيس بأنه «فاشي إسلاموي»، وذلك متقارب مع ما قاله الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، من أن بلاده تعرضت لـ«هجوم إرهابي إسلاموي».

فاشي إسلاموي.. إرهابي إسلاموي، تبدو معقولة ودقيقة نسبيا في وصف الجريمة ومنفذها، لأن الأمر كان ليكون سيئا للغاية لو أن اللغة كانت «فاشية إسلامية.. إرهاب إسلامي» لأن الإسلاموية تختص بزعم أو ادعاء، أي يزعم أو يدعي أشخاص، مسلمون ربما، أنهم مسلمون لتبرير أفعال لا تمت لجوهر الدين بصلة، وهي حالة إقصائية محمودة لمَنْ يأتي بفعل شنيع لا يتماشى مع المبادئ الكلية للإسلام والمسلمين.

بعد الذي حدث ربما يحتاج العالم لتفعيل حوار الأديان والحضارات، وهو أمر ابتدأته المملكة العربية السعودية، وينبغي أن يشهد حراكا مستمرا لأننا بحاجة لمزيد من وضوح الرؤية، التي تجعل هناك سقف لحرية التعبير لدى كل مجتمعات العالم، ففي حالات طارئة وقاسية لم تتمتع بعض المجتمعات بتلك الحرية سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من أجل أمنها وأمانها، كما أن هناك في الغرب بصورة عامة تجريما لمعادي السامية، وهو أمر يتناقض مع حرية التعبير إذا كان لكل كاتب أو شخص أن يعبر عن رأيه في السامية وقضاياها، وحين يصل الأمر إلى أنبياء وأديان بكاملها، فمن الأولوية بحرية التعبير أن تتهذب وألا تتجاوز الحدود، فهي ليست حرية إذا تعدت على الآخرين وأشعرتهم بالإساءة وأنتجت متطرفين يؤذون دينهم وغيره من الأديان الأخرى، لذلك تبقى هذه الجريمة درسا فكريا قاسيا في تحييد المتطرفين وتهذيب حرية التعبير وتحقيق مقاربات أكثر بين الأديان من خلال الحوار.

@sukinameshekhis