فاطمة عبدالرحمن ـ الأحساء

يشبه «السينمائي» ويأخذ شكل الأعمال المؤرشفة

أكد عدد من المسرحيين أن المسرح الافتراضي الذي فرض نفسه على الساحة الفنية؛ بسبب أزمة جائحة كورونا، لا يمكن أن يحل محل المسرح الواقعي، ولا أن يكون بديلًا له، مشيرين إلى أن العنصر الأهم في المسرح هو تواصل الممثل مع الجمهور، وهو ما يفتقده المسرح الافتراضي؛ لذا فقد أصبح أقرب إلى الأعمال السينمائية، أو إلى المسرحيات المؤرشفة التي تعرض من خلال الشاشات.

وقاله إنه على الرغم من أن المسرح الافتراضي تمكّن من سد بعض الفراغ الفني خلال الفترة الماضية التي توقفت فيها المسارح حرصًا على التباعد الاجتماعي، فإن المسرح الواقعي ظل محتفظًا بمكانته وخصوصيته، باعتباره عرضًا حيًا لا يستقيم دون ممثلين فعليين على خشبة حقيقية بحضور الجمهور.

افتقاد المقومات

قال رئيس رابطة الإنتاج المسرحي العربي المشترك، المسرحي د. سامي الجمعان: المسرح الافتراضي هو النقيض للمسرح المباشر، وهو يفتقد لكل مقومات مفهوم المسرح، كما نعرفه ونفهمه أو اعتدنا عليه، فالمسرح الافتراضي لا يعتبر مسرحًا متكاملًا، بل هو، في ظني، قاصر عن تحقيق المفهوم الحقيقي للمسرح، لذلك فأنا لستُ مع وضعه بديلًا للمسرح، بل يجب أن يسمّى بتسمية أخرى خلاف المسرح، وأن يتم التعامل معه وفق هذا الظرف فقط؛ لأن تكريسه يعتبر هدمًا لجماليات المسرح المباشر الذي ينبض بالحياة في علاقته المباشرة بالناس، وينبض بالحيوية في عناصره المتنوعة من إضاءة وأزياء وديكورات وروح تمثيلية وثّابة، ولا أعتقد أنه سيستمر، وذلك لافتقاده عناصر التعويض الفعلية عن المسرح المعروف، والتكنولوجيا يمكنها أن تخدم المسرح، لكنها لا يمكن أن تكون حاضنة له، أو بديلًا عن الخشبة بكل جمالياتها، وأنا شخصيًا لا أميل إلى هذا النوع من المسرح، وأرفض أن يكون بديلًا عن مسرح الممثل والجمهور والحياة والرؤى البصرية.

توقف العروض

وذكر المسرحي سلطان النوه أن هذا النوع من المسرح ظهر في ظل الحاجة إلى تقديم مسرح وسط الظروف الراهنة التي تعيش معنا حتى اليوم، فجائحة كورونا أوقفت عددًا من المناشط الثقافية والفنية التي تتطلب المخالطة وحضور الجمهور، والمسرح واحد من هذه المناشط التي تأثرت، وأُغلق الكثير من المسارح، وتوقفت العروض على مستوى العالم حفاظًا على الإنسان وصحته، لكن المسرحيين عندهم شغف لتقديم المسرح، ويبحثون عن طرق وبدائل يقدمون من خلالها عروضهم المسرحية، ومن هنا جاءت فكرة المسرح الافتراضي بأن نقدم عروضًا مسرحية افتراضية عن طريق الفيديو، بحيث يمكن مشاهدته عن بُعد عبر البث المباشر، ويتم إنتاج العمل وتقديمه للجمهور، وهي تجربة فرضتها ظروف معينة، وواقع الحال اقتضى من مستهلكي المادة الثقافية التردد على الفضاءات الرقمية لتلبية احتياجاتهم التي زادت بسبب فائض الوقت الذي أتاحته ظروف العزل، ولعل هذا النوع يحمل إيجابيات متعددة، منها تواصل المسرحيين مع بعضهم البعض، والحرص على تقديم فعاليات لا تتوقف.

التواصل المفقود

وأضاف: المسرح، من وجهة نظري، تواصل على الخشبة، فلابد من وجود عنصر التواصل على خشبة المسرح، والتواصل بين الممثلين، بحيث يشعر كل ممثل بزميله ويتفاعل معه، وهذا غير موجود في المسرح الافتراضي، أيضًا تواصل الممثل مع بعض عناصر العمل المسرحي، مثل الإضاءة والصوت والأزياء والديكور، وهذه يفتقدها مثل هذا النوع من المسرح، لذلك فالمسرح الافتراضي يشوبه بعض القصور، وأيضًا فقدان الحس بين الممثلين والتواصل مع الجمهور، فمن المعروف أن الممثل يُبدع أكثر مع وجود الجمهور؛ لأنه محرّك أساسي له، فتصفيق الجمهور وضحكاته وتفاعله وسط الصالة يعطي الممثل دافعًا أكثر للإبداع، والمسرحيون الذين قدّموا العروض الافتراضية يستحقون الشكر والإشادة؛ لأنهم قدموا تجربة جديدة، فللمسرح أنواع كثيرة، وربما كانت هذه الظروف سببًا في ولادة نوع آخر من المسرح، لكن يظل المسرح روحًا، ويكمن جماله في تقديمه بشكل مباشر وحي، لكي يؤدي رسالته، فالمسرح يشكّل الوعي الجمعي عن طريق التعبير عن أفكاره ومضامينه ومواقفه، ويسعى إلى استعمال التكنولوجيا لكي تكون أداة من أدوات الفعل الإبداعي، كونها فاتحة لفضاءات تفكير جديدة تُمكّن المسرح من زيادة زخم خطاباته، وكفاءتها في خلق مستويات تواصل عدة، وما يحصل الآن هو فقط نوع من الاستثمار المكثّف لهذه الممكنات المتاحة.

الأداء المباشر

وذكرت عضو لجنة المسرح بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء المخرجة المسرحية إيمان الطويل أن المسرح يمكن أن يضم أكثر من فن في وقت واحد، ويتميّز عن غيره من الفنون بأن الجمهور يعيش اللحظة مع الممثل ويستمتع بأدائه، وأضافت: المسرح الافتراضي نوع من أنواع المسرح، لكنه، في نظري، يميل إلى السينما بشكل أكبر، ويأخذ منحنى المسرحيات المؤرشفة، ومن الصعب أن يحل مكان المسرح الواقعي؛ لأن أهم عنصر في المسرح هو التواصل المباشر بين الممثل والجمهور، فجائحة كورونا أخرجت الكثير من المواهب، والكثير من الأفكار، وكسرت بعض القيود، وهذا شيء إيجابي، كما أن في هذا النوع من المسرح الافتراضي، يأخذ الممثل أكثر من دور، وغياب المتخصصين بالصوت والإضاءة والديكور يقلل من التكلفة، لكنه لا يسهم في صناعة جيدة.

توثيق التراث

وأضافت: أتمنى من التليفزيون السعودي أن يتبنّى جميع المسرحيات السعودية وينقلها للجمهور؛ لأن هذا التراث الفني مهم للوطن، وأعمالنا اليوم ستصبح تراثًا وتاريخًا للفن السعودي في المستقبل، فالمسرحيون يواجهون صعوبة كبيرة في مشاهدة ما قدمته الأجيال السابقة، ممن أسهموا في تأسيس المسرح، خاصة في الأحساء، فهناك إرث مسرحي يستحق المشاهدة، فلقد دهشت عندما شاهدت بعض المسرحيات القديمة، فهذا إبداع يحتاج لاحتواء، حتى إن كانت جودة التسجيل غير جيدة، فيمكن أن يعرض من الأرشيف في قناة مخصصة، وتوثق جميع المسرحيات السعودية، كما كنت أتبنّى بعض الأفكار والمقترحات، وأفاجأ بأن هناك مَن سبقني إليها، وأنها قدّمت في جمعية الثقافة والفنون، لكن بسبب القصور في النشر لم تصلنا هذه الأعمال، كما أنها لن تصل إلى الجمهور عبر الأجيال، فلو كتبنا في محركات البحث «المسرح السعودي» مثلًا، فلن نجد إلا القليل، رغم أن لنا الكثير من التجارب الثريّة، لكن مع الأسف نفتقد إلى توثيق هذه التجارب.