ترجمة: إسلام فرج

بيادق شطرنج ترضي أوهامه الجيوسياسية

قالت مجلة «نيويورك ريفيو» الأمريكية: روسيا وتركيا تستخدمان الشباب السوري في حروبهما الخارجية. وبحسب تقرير لـ «إليزابيث تشيركوف»، وهي زميلة في مركز السياسة العالمية بواشنطن، فإن الحرب الأهلية المستمرة في سوريا منذ ما يقارب عقدا من الزمن خلقت جيلا كاملا من الشباب الذين لا يمكن تسويق مهاراتهم إلا في ميدان القتال.

الخطوط الأمامية

ونقل التقرير عن عبدالباسط، وهو اسم مستعار لأحد المرتزقة السوريين في أذربيجان، قوله: لقد أرسلونا مباشرة إلى الخطوط الأمامية.. الوضع فظيع ورهيب، هناك قتال كل يوم، ونحن مكلفون بالاقتحام، وليس هناك راحة.. هناك الكثير من الرجال المفقودين ولا يمكننا الوصول إليهم.

وتساءل التقرير: ما الذي جعل هذا الثائر السوري السابق، النازح من منزله في الرستن بريف حمص، يقرر الاشتراك للقتال في بلد أجنبي؟

ونقل عن عبدالباسط، قوله: اضطر والدي، الذي لا يزال في الرستن، إلى الحصول على قرض كبير بسبب حالة طارئة للأسرة، لكن راتبه لا يكفي لسداده.. لذلك اضطررت للذهاب.

وبحسب التقرير، فإن عبدالباسط هو واحد من مئات المقاتلين السوريين الذين أرسلتهم تركيا، منذ بداية سبتمبر، لشن حرب ضد أرمينيا في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها في أذربيجان، وفي هذه المنافسة على الهيمنة الإقليمية، أصبح رجال سوريا المكسورون والمنكسرون وقودا للمدافع.. قتل 4 من أصدقاء عبدالباسط من الرستن في غضون يومين، بعد وقت قصير من نزولهم في أذربيجان، وقتل 2 آخران بعد أسبوع.

الحرب السورية

ومضى المرتزق السوري عبدالباسط يقول: الحرب السورية، التي أودت بحياة ما لا يقل عن نصف مليون شخص وشردت أكثر من نصف سكان ما قبل الحرب البالغ عددهم 21 مليون نسمة منذ بدايتها في عام 2011، تتحول تدريجيا إلى صراع مجمد، حيث استقرت الخطوط الأمامية منذ مارس 2020، وباتت قدرة أي قوة على التقدم محدودة بسبب وجود القوات الأجنبية.

وأوضح التقرير أن الولايات المتحدة لا تزال في الشمال الشرقي، بينما سيطرة روسيا وإيران ونظام دمشق مستمرة على معظم سوريا، وتركيا في الشمال، مضيفا: نظرا لعدم قدرتهم على تغيير ميزان القوى في سوريا، تبحث تركيا وروسيا على وجه الخصوص عن ساحات جديدة حيث يمكنهما إظهار القوة والفوز باليد العليا في منافستهما مع بعضهما البعض.

وأردف التقرير يقول: ربما كان هذا يعني الراحة من الأعمال العدائية للسوريين الذين كانوا يقاتلون نيابة عن روسيا وتركيا في سوريا، لكن الأمر لم يكن كذلك.

وتابع يقول: العديد من الدول التي تدخلت في الحرب الأهلية السورية، بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، أنشأت أو دعمت قواتها بالوكالة السورية، لكن روسيا وتركيا فقط بدأتا في تصدير قواتهما كمرتزقة للقتال في النزاعات الخارجية.

اختيار المرتزقة

ومضى تقرير مجلة «نيويورك ريفيو» الأمريكية يقول: اختير المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا، بدءا من أواخر ديسمبر 2019، والآن أيضا إلى أذربيجان، إلى حد كبير من بين صفوف قوة بالوكالة أنشأتها تركيا في عام 2016، والمعروفة الآن باسم الجيش الوطني السوري.

ونوه بأن أنقرة استخدمت هذه القوة لتأمين حدودها الجنوبية ضد تنظيم (داعش) في 2016، ولاحقا مرة أخرى، لشن حرب ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال وشمال شرق سوريا في عامي 2018 و2019.

وأشار إلى أن تركيا عبر هذا الوكيل تمكنت من إعادة هندسة التركيبة السكانية للمناطق الحدودية، مما أدى إلى تهجير معظم السكان الأكراد واستبدالهم بالعرب، الذين نزحهم نظام الأسد من الجنوب.

ومضى التقرير يقول: في غضون ذلك، استقطبت روسيا المرتزقة الذين أرسلتهم إلى ليبيا من صفوف الميليشيات الموالية للأسد وتشكيلات الجيش الوطني السوري - كما يسمى -، التي تعمل روسيا وشركتها الأمنية الخاصة (مجموعة فاغنر) منذ 2015.

وأوضح أن هذه القوات تشمل الفيلق الخامس، الفرقة 25 (المعروفة سابقا باسم قوات النمر) ولواء القدس وما يسمى بصيادي «داعش».

تجنيد تشكيلات

وتابعت إليزابيث تشيركوف تقول: نشرت روسيا والأسد هذه القوات في الأصل ضد المتمردين السوريين وداعش، ولكن ابتداء من أوائل 2020، بدأت روسيا في تجنيد رجال من هذه التشكيلات للسفر للقتال في ليبيا.

وأردف التقرير يقول: إضافة إلى ذلك، جندت روسيا بعض الأفراد العاملين في الخدمة وأفراد الميليشيات في قوات الدفاع الوطني السورية للقتال إلى جانب قوات مجموعة فاغنر في ليبيا، ودعما لقوات خليفة حفتر.

ومضى يقول: عادة، مع انتهاء الحروب الأهلية، يتم تسريح الرجال والعودة إلى الحياة المدنية. في الواقع، كان العديد من الرجال الذين جندتهم روسيا وتركيا للقتال في الخارج قد توقفوا بالفعل عن القتال، إما عن طريق تسريحهم أخيرا من الجيش السوري بعد 8 إلى 9 سنوات من الخدمة، أو عن طريق الانسحاب من التمرد إما بسبب الإصابة أو الشعور بأن التمرد المسلح قد ضل طريقه، أو في محاولة للعثور على مهنة أقل خطورة، لكن الاقتصاد السوري مدمر لدرجة أن المقاتلين المسرحين الذين يمتلكون بعض الخبرة والمهارات في سوق العمل يكافحون للعثور على وظائف مدنية.

وتابع: هناك أيضا رجال لديهم بدائل أقل، وهم الشباب الذي كانوا في المدرسة عندما بدأ القتال، ثم تعطل تعليمهم بسبب الحرب، وليس لديهم مهارات إلا القتال.

الرسائل الصوتية

وقالت كاتبة التقرير: في محادثاتي معهم، أصر بعضهم على استخدام الرسائل الصوتية والمكالمات فقط، وهم يكافحون في الكتابة باللغة العربية البسيطة المستخدمة في الكلام.

وأردفت الكاتبة: تظهر المقابلات التي أجريتها مع عشرات الرجال الذين غادروا ليبيا للقتال إلى جانب الطرفين المتحاربين، أو الذين تم نشرهم أو تسجيلهم للانتشار في أذربيجان، أن دافعهم الأساسي للانضمام هو مادي.

ومضت تقول: في سوريا، يكسب مقاتلو الجيش الوطني السوري متوسط أجور يبلغ حوالي 500 ليرة تركية، تدفع عادة كل شهرين، والتي تبلغ حوالي دولار واحد في اليوم.. في شمال سوريا، يغطي هذا الأجر اليومي تكلفة رزمتين ونصف من الخبز، وهو مقدار ما تستهلكه الأسرة المتوسطة يوميا.

الأجر الشهري

وأضافت: في ليبيا، وعد المقاتلون بأجر شهري أكثر سخاء يبلغ 2000 دولار، لكن في الواقع، يجري اختلاس ما يصل إلى 50 ٪ من هذا المبلغ من قبل القادة الجشعين الذين يتحكمون في الرواتب.

وتابعت تقول: في أذربيجان، لم يتم دفع رواتب المقاتلين الذين تحدثت إليهم بعد، حيث تم نشرهم قبل أقل من شهر، لكنهم حصلوا على وعود تتراوح بين 600 دولار و2500 دولار شهريا مقابل عقود مدتها 3 أشهر، وجميع الرواتب أعلى بكثير مما يمكن أن يكسبوه في سوريا.

وأشارت إلى أن ما ساعد روسيا وتركيا على تحويل السوريين إلى بنادق للتأجير عوامل عدة أهمها انهيار الليرة السورية الناجم عن الانهيار الاقتصادي للبنان، وعمليات الإغلاق المرتبطة بوباء كورونا وظهور الانقسامات الواضحة في قيادة النظام السوري العشائري، وفرض عقوبات أمريكية إضافية بموجب قانون قيصر لعام 2019.

نواصل في جزء ثان ما أشارت إليه الكاتبة عما ساعد روسيا وتركيا على تحويل السوريين إلى بنادق للتأجير.. ولفتت إلى عدة عوامل أهمها انهيار الليرة السورية، وخلو «معرة النعمان» من الرجال الذين ذهبوا إلى سوريا.

مرتزق سوري في أذربيجان: أرسلونا إلى الخطوط الأمامية

الشباب تعطل تعليمهم وليس لديهم مهارات إلا القتال