أحمد بني قيس

لطالما كان السبب الرئيسي في مراوحة قضية فلسطين مكانها وضياع كل الفرص المعروضة على الفلسطينيين المعنيين بها هم قادتها وصراعاتهم الداخلية، التي يعرف الفلسطينيون قبل غيرهم حقيقة وجودها وخيانتهم لبعضهم البعض وطعنهم لبعضهم البعض والتنصل من العهود والمواثيق، التي يوافقون عليها ثم ينقلبون عليها بين عشية وضحاها والذي سبق وأن أشرت إليه في مقال سابق بينت فيه أن هذا الصراع فيما بين القيادات الفلسطينية كان السبب الرئيسي ومازال في بقاء حل قضية فلسطين عقبة كأداء لم يتمكن الفلسطينيون بكافة فصائلهم من تجاوزها، كشعب وكقادة والوصول متحدين إلى قناعة تامة بضرورة الاتفاق على ما يجمعهم حول أي من الحلول التي تم ويتم عرضها عليهم.

ولقد ظلت هذه المعضلة طي الكتمان من جانب السعودية تحديدا على الرغم من كل التهم والمزاعم التي كانت هذه القيادات الفلسطينية توجهها لها، سواء في مؤتمراتها أو لقاءاتها الشعبية والإعلامية، وكيف يتهمونها بتخليها عنهم رغم كل ما تعلمه هذه القيادات عن مدى وحجم الدور السعودي الداعم لها على كافة الصعد.

والإعلان عن زمن هذه التعرية للعالم العربي كان جليا فيما أظهره اللقاء المتلفز للأمير الدبلوماسي المخضرم والسياسي المحنك المعروف بندر بن سلطان، الذي كشف فيه جميع الحقائق والمنغصات التي صبرت عليها القيادة السعودية والتي تعرضت للكثير من الأذى بسببه عربيا وغربيا، بل وحتى فلسطينيا، وكشف سموه في هذا اللقاء أيضا حجم الجهود المضنية التي بذلتها القيادة السعودية تاريخيا في سبيل إيجاد حل لهذه القضية، لقد أوضح سمو الأمير بندر في هذا اللقاء الجهود العديدة التي بذلتها القيادة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- وحتى تاريخه في سبيل حل قضية فلسطين، وكيف أن جميع ملوكها غلبوا مصالح تلك القضية في أحيان كثيرة على مصالح بلادهم الشخصية كما ذكرت آنفا وتحملوا كل الأذى الذي صاحب ونتج عن اتخاذهم لذلك الموقف، وهذا النهج السعودي الجديد الذي رأت القيادة السعودية الجديدة بحنكتها وحكمتها التي يشهد لها بها التاريخ المعاصر، وكذلك العدل والإنصاف عند من يمتلكهما من عقلاء العالم أنه قد حان أوانه، وحان إيصاله إلى كل من يجهله من مواطنيها في ظل تطورات المرحلة الحالية التي تكتظ بها الاحداث المتعلقة بفلسطين والإرهاصات المصاحبة لهذه الأحداث.

ختاما إن قناعتي الشخصية تقول إن هذه القضية لن تحل أبدا إذا ظل النهج والاسلوب السياسي الفلسطيني على حاله كما وضحه سمو الأمير بندر، وأيضا قناعتي الشخصية تقول بأنه إذا ظل الشعب الفلسطيني متمسكا بهكذا قيادة ويصدق ترهاتها ويكذب عدم إخلاصها لقضيته فإن قضيته مصيرها الحتمي الزوال والاندثار في ظل اتضاح أن المواقف السياسية لهكذا قيادات أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنها خالية من أبسط مفاهيم الحنكة السياسية وقراءة الواقع ببراغماتية راشدة وخالية أيضا من القدرة على انتزاع أي حق تتاح لها فرص انتزاعه والظفر به، فرص أوضح الأمير بندر أن قيادات فلسطين هم المسؤولون الوحيدون عن تبديدها وضياع اغتنامها.