د. شلاش الضبعان

ذكر الراغب الأصفهاني في محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: كان لكل ملك أمارة يستدل بها أصحابه إذا أراد أن يقوموا عنه، فكان أردشير إذا تمطى قام سمّاره، وكان كيشاسف يدلك عينيه، ويزدجرد يقول: شب بشد، وبهرام يقول: خرم خسفاذ، وسابور يقول: حسبك يا إنسان، وأبرويز يمد رجليه، وأنو شروان إذا قال: قرت أعينكم، وكان عمر بن الخطاب يقول: قامت الصلاة، وعثمان يقول: العزة لله، ومعاوية يقول: ذهب الليل، وعبدالملك يقول: إذا شئتم، والوليد يلقي المخصرة، والرشيد يقول: سبحان الله، والواثق يمس عارضيه، فإذا فعل ذلك انصرف الجلساء إلى بيوتهم بدون عبارة أخرى تطلب منهم الانصراف.

ما شد انتباهي في هذا هو الفطنة التي يمتلكها هؤلاء الجلساء والتي جعلتهم يفهمون رغبة من يجالسوه، وضد الفطنة البلادة التي يعاني منها البعض حتى جعلته ممنوعاً من الصرف حتى ولو صُرف بكل صريح وفصيح.

البلادة مرض قاتل، ومدمر للحاضر والمستقبل، وهي تنتشر خصوصاً مع سيطرة الأجهزة وضعف التواصل الاجتماعي الحقيقي الذي كان يحاسب البليد ويسعى لإخراجه من بلادته، فقد كانت المجالس مدارس، والبلادة ليس شرطاً أن تكون غباءً.

في إداراتنا الحكومية تقابل مديراً بليداً وموظفاً بليداً، فالمدير البليد لا يفهم احتياجات مؤسسته ولا يطور أداءها، فهو لا يملك الفطنة التي تساعده على الخروج مما هو فيه، والموظف البليد إنسان حرفي لا يتخذ قراراً ولا يساعد إنساناً، بل هي التعليمات كما فهمها ببلادته، وفي المجالس تقابل بلداء، لا يحترمون كبيراً، ولا يعرفون انتقاء كلماتهم، وكم تسببوا بالإحراج لعائلاتهم عندما آذوا وجرحوا بكلماتهم غير المحسوبة، أيضاً تشتكي بعض الزوجات من بلادة بعض أزواجهن والتي تؤدي في أحيان كثيرة إلى حياة لا تطاق، وحقاً أعانهن الله.

حقاً نحتاج لترسيخ الفطنة ومعالجة البلادة في مدارسنا وبيوتنا ومجالسنا، ولو قارنت الجيل الحالي بالجيل السابق في هذا الجانب لوجدت فارقاً واضحاً، ويظل البليد بليداً، مهما لطفنا العبارة التي نطلقها عليه: على طبيعته، صريح، واضح، فهذه كلها لا يمكن أن تغطي على بلادة البليد.

ربوا أولادكم على الفطنة؛ كي ينجحوا، فالبليد لا يمكن أن يصنع مستقبلاً حتى ولو ملك المال والواسطة وأحياناً الشهادة.

shlash2020@