عبدالله الغنام

إن أول ما يتبادر إلى أذهاننا حين نسمع كلمة (السعادة) أن الموضوع مثالي، وأنه شبع بالتكرار والحديث عنه! ولكن، الواقع أننا نسعى إليها حثيثا في كل يوم وساعة، ولو فكرنا بعمق فكل ما نقوم به هو من أجل أن نشعر بها.

ولا تحسبن الموضوع هامشيا، بل هو موضوع رئيسي في حياتنا سواء صرحنا بذلك أم لا! والحكيم أرسطو قد قال: السعادة غاية كل إنسان. والأمثلة أكثر من أن تحصى على حرصنا عليها، فالذي يجمع المال يريدها، والذي يركض وراء المنصب ويتشبث به يعتقد بها، والذي يبحث عن الجاه وكثرة الولد يعتبر ذلك الطريق إليها. والبعض يظنها في السفر والترحال. بل، هناك من يجزم أنها ممكنة بالعلم والمعرفة، فالشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) يذكر عن الفلاسفة أنهم قالوا: إن السعادة تنال بالحكمة. والحقيقة أن كل تلك الأمور هي وسائل في البحث الدؤوب عنها.

ومن المعضلات الرئيسية هي أننا نخلط بين الراحة والسعادة. وبينهما فرق شاسع، فاعتقادنا بالأشياء والممتلكات من حولنا سواء كانت الأموال أو المناصب أو المقتنيات أو حتى العلاقات العامة والخاصة أنها طريق إليها هو مفهوم خاطئ جدا. والسبب في أن هذه الوسائل التي ذكرت هي حبات من الراحة المؤقتة (كالمسكنات)! ولن تحل المشكلة من أصلها. فهي تصرف أذهاننا عن الطريق الصحيح، وتشغلنا وتوهمنا أننا سعداء، يؤكد ذلك أننا حين نعتاد عليها نبحث عن غيرها من المسكنات التي تصرف عن الأهم وهو الراحة الداخلية والطمأنينة. إن المسألة برمتها أمر نفسي ومعنوي بحت، والباقي هو مجرد مؤثرات خارجية لا علاقة له بالسعادة الحقيقية.

ولو توقفنا لسويعات من الركض خلف دوامة الحياة، وتأملنا بعضا من المشاهدات لفهمناها بوضوح، فلو كان المال سببا لكان كل الأغنياء سعداء وكل الفقراء تعساء! ولو كان المنصب سببا لكان كل رئيس سعيدا وكل مرؤوس تعيسا! ولو كان الأمر يتعلق بمرحلة عمرية معينة لكان كل شاب وشابة من السعداء، وكل شيخ وعجوز من التعساء! ولكنها لا تحسب ولا تقاس بهذه الطريقة. فمهما ظللنا نبحث عنها في الوسائل الخارجية سنضل الطريق ونبتعد عن الغاية. فكل هذه المتع لها زمن وتأثير وقتي ثم ينقضي، وحين ينقضي نرجع إلى طبيعتنا وما كنا عليه من قبل!

والطريق إلى السعادة يحتاج إلى صبر وتعلم ووقت حتى يتقنها الإنسان، وتصبح ملزمة له بالرضا والتنمية الداخلية بعلاقة الإنسان بالله ثم تعزيز الجوانب الفكرية في عقله بأن كل الأشياء من حولنا مهما بلغت وعلت هي وسيلة وليست غاية.

ومن الطرق إليها الاعتماد على أنفسنا في أن نخلق ونعيش الأجواء مع قلة الموارد والإمكانيات. فحتى لو كنا لوحدنا أو بين جموع من الناس، فنحن ثابتون ومطمئنون من الداخل. وخير مثال يجسد تلك الفكرة هي درجة حرارة أجسامنا التي نجدها ثابتة ليلا ونهارا، صيفا وشتاء مع كل المتغيرات والأجواء. صحيح أن الجسم قد تعتريه حمى بالمؤثرات الخارجية كالفيروسات والجراثيم ولكنها مؤقتة، ثم يرجع الجسم تدريجيا إلى درجة حرارته الثابتة. والسعادة الحقيقية كحرارة أجسامنا الأصل فيها أنها ثابتة ومستقرة في مجمل الأحوال والأزمات. ومنها يأتي السر في الحرص على الاهتمام بالجوانب الروحية والنفسية، وقد صدق الشاعر أبو الفتح البستي حين قال: أقبل على النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان. وقال الدكتور مصطفى محمود -رحمه الله-: «لو كانت الأشياء المادية أهم من المعنوية، لما دفن الجسد في الأرض، وصعدت الروح إلى السماء».

وباختصار، تسكن السعادة فينا حين تكون حرارة النفس والروح ثابتة حتى مع المتغيرات والأحداث من حولنا!

abdullaghannam@