خالد الشنيبر مستشار موارد بشرية

نوعية الوظائف تختلف مع مرور الزمن

في البداية من المهم أن نعي أنه منذ مئات السنوات ونوعية الوظائف تختلف مع مرور الزمن، وهذا أمر لا نختلف عليه ولا يحتاج للتهويل، والمعادلة بسيطة: لو تغيرت الوظائف، بالإمكان وبكل سهولة أن يتغير الإنسان لمواكبتها.

طالما هناك استمرارية في تطوير مهارات الثروة البشرية، فسنجد السهولة في التكيف مع أي متغيرات تطرأ على نوعية الوظائف في أي سوق عمل. ولذلك، التطوير الذاتي مهم لكل موظف مهما وصل من مناصب.

الوظائف تختفي أو تولد مع مرور السنوات وفقاً للتطورات التكنولوجية على الصعيد العالمي، والعمل المرن سيتم تقبله بشكل تدريجي مجتمعياً.

ثقافة جديدة

العمل المرن نمط عمل وثقافة جديدة في سوق العمل السعودي، وله تأثير كبير في زيادة التراكم المعرفي للأيدي العاملة السعودي، وهو الذي يؤديه شخص غير متفرغ لدى صاحب عمل أو أكثر، ويكون احتساب الأجر على أساس الساعة، بشرط أن تقل ساعات العمل لدى صاحب العمل الواحد عن نصف ساعات العمل لدى المنشأة، ولا تزيد على 95 ساعة شهرياً ومن شروطه أنه للسعوديين، ويشترط توثيق العقد ولا يستحق إجازات أو مكافآت نهاية الخدمة ولا يخضع العامل فيه لفترة تجربة.

قضية البطالة

ومن اطلاعي على سوق العمل في السنوات السابقة يتضح لي أنه من المهم أن يكون هناك تفرقة بين الوظائف «التكميلية، التطويرية، المؤقتة، وظائف زيادة الدخل، والوظائف عن بعد»، وإذا لم نفرق بينها فسيكون هناك خلل في سوق العمل، ولن ننجح في التعامل مع قضية البطالة بتخفيضها للمستويات المستهدفة، وسيصعب التعامل مع المستجدين في سوق العمل.

سيواصل العمل المرن بجميع أشكاله الانتعاش خلال الفترة القادمة، وسيعتبر نموذجا سائدا، ولذلك من المهم جدا التركيز على المهارات وبشكل أكبر من المؤهلات لأن سوق العمل سيعتمد عليها بشكل أكبر من السابق.

أداء وإنتاجية

وهناك فوائد اقتصادية ومجتمعية عديدة في تطبيق مبادرة العمل المرن، وأهمها: تعزيز الموازنة بين ظروف العامل وساعات العمل ما ينعكس إيجابا على أدائه وإنتاجيته، ومن خلاله ستتمكن المنشآت من تقديم خدماتها لفترات أطول لعملائها خاصة في المواسم وأوقات الذروة، ويساعد المنشآت في تعويض أعداد الموظفين في المهام الرئيسية عند وجود أي نقص طارئ وسيكون له تأثير في التقليل من الإنفاق على برنامج حافز الذي يكلف الدولة المليارات وسيكون له تأثير في زيادة إيرادات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وسيكون هناك انعكاس في زيادة أعداد المشتغلين السعوديين وبناء خبرات عملية أكبر للكوادر المحلية، مما ينتج من ذلك التقليل بشكل كبير من عذر «اشتراط الخبرات السابقة» في الوظائف الدائمة، كما يساعد في زيادة الدخل بحيث يُمكن العاملين الخاضعين لنظام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية الجمع بين عقد عمل أصلي وعقد عمل بنظام العمل المرن كوظيفة إضافية. وارتفاع العديد من مهارات ومعارف وقدرات الطلاب بشكل ملفت مما يُسهل اندماجهم في سوق العمل مستقبلاً ويرفع من مستويات الوعي لديهم. وسيرفع من معدلات الإبداع ويزيد من التنافس مما يعزز من استقطاب المواهب السعودية. وسيساهم في دخول التكنولوجيا بشكل أكبر لمنشآت القطاع الخاص. ويخفض من التكاليف التشغيلية المباشرة وغير المباشرة للموارد البشرية في المنشآت. وسيخدم هذا التوجه في تقليل معدلات البطالة خاصة في المناطق الإدارية التي تزداد فيها معدلات البطالة للعنصر النسائي. وسيخدم هذا التوجه في خلق وظائف للجنسين في المناطق البعيدة عن المدن.

نشاط المنشآت

وسيتركز التأثير الأكبر من هذه المبادرة في المنشآت الصغيرة، وسيكون ذلك على حساب التوظيف التقليدي المتعارف عليه في تلك المنشآت التي تشكل نسبة كبيرة من أعداد المنشآت بالمملكة.

ومن المتوقع عند تطبيقه انتعاش العديد من التخصصات الإدارية في القطاع الخاص، وتختلف تلك التخصصات بناء على طبيعة نشاط المنشآت، وكتوقع شخصي ستتركز في تخصصات، المحاسبة وتقنية المعلومات بشكل كامل والتسويق والمبيعات وبعض ممارسات الموارد البشرية والسكرتارية والتدقيق الداخلي والتسويق الإلكتروني والتصميم الداخلي وإدارة الفعاليات والتحرير الصحفي والتصوير بكافة أنواعه.

المهارات الأساسية

وإذا كان هناك ضرر من تطبيق هذه المبادرة فسيكون من نصيب ذوي المهارات المنخفضة في الوظائف التقليدية بدوام كامل، وأعتقد أن المنشآت ستقلل من توجهها للتدريب فيما يخص المهارات الأساسية وذلك لعدة اعتبارات مادية، وما يردده البعض بأن تطبيق هذا التوجه سيقلل من فرص العمل التقليدية فأنا أتفق معه بشكل جزئي في ذلك.

ومن أبرز تحديات تطبيق العمل المرن في المنشآت تعزيز الولاء الوظيفي، وتجديد العقود لن يكون بالأمر السهل خاصة إذا كان هناك إثبات لنجاح المشتغل مما يدفع ذلك للمطالبة في رفع أجر الساعة عند تجديد العقد، والاستفادة ستكون محدودة في برنامج نطاقات عند احتساب معدلات السعودة وتحديد «نسبة/ عدد» عقود العاملين بنظام العمل المرن لكل منشأة في البوابة الإلكترونية مما يعيق تطبيق البرنامج بشكل أقوى، وأنه لا يشمل المتقاعدين الذين تُشكل خبراتهم إضافات مميزة للعديد من المنشآت خاصة صغيرة الحجم، وعدم وجود حد أدنى للأجور في الوقت الحالي وصعوبة الإشراف الوظيفي.

التحول الوطني

سيكون للعمل المرن تأثير مباشر على بعض مستهدفات التحول الوطني، والتأثير الأكبر سيتركز في البعد السادس من استراتيجية التحول الوطني والمختصة في «تمكين فئات المجتمع من دخول سوق العمل ورفع جاذبيته».

ومن أهم المؤشرات التي ستتأثر إيجاباً من تطبيق العمل المرن ارتفاع حصة مشاركة المرأة في سوق العمل من إجمالي القوة العاملة السعودية وارتفاع معدل المشاركة الاقتصادية للإناث السعوديات «فوق سن 15 عاماً» وارتفاع أعداد المشتغلين من الأشخاص ذوي الإعاقة مما يرفع من معدلات دمجهم مع المجتمع. وتخفيض معدلات البطالة للسعوديين.

أعداد المشتغلين

كوجهة نظر شخصية أرى أن أعداد المشتغلين السعوديين سيرتفع بشكل بسيط على المدى القريب وذلك بسبب توجه العديد من المنشآت لتقليل أعداد المشتغلين فيها «بدوام كامل»، والتوجه للاعتماد على العمل المرن في كثير من المهام وذلك لتقليل التكاليف المباشرة وغير المباشرة عند توظيف الكوادر البشرية بالإضافة للتقليل من تكاليف التدريب.

لا عذر لكل باحث وباحثة عن عمل في الوقت الحالي، فالنجاح في هذه المرحلة يمكن اعتباره جسرا سريعا للحصول على الوظيفة التقليدية بدوام كامل وذلك من خلال إثبات الجدية وتطوير المهارات بشكل ذاتي والالتزام مع صاحب العمل، وسيكون هناك أيضا جسر آخر لتعزيز خبرات الكوادر المحلية عند توجههم لتأسيس العمل الخاص بدلا من الاعتماد على طموح الوظيفة فقط، ومن المهم أن تكون هناك ورش عمل دورية للتعريف بمميزات العمل المرن حتى يتم نشر ثقافته بشكل أكبر في المجتمع.