أمجاد سند - الدمام

أوضح الباحث المتخصص في علم الجريمة ومحكم ومقيم برامج المشروع الوطني للوقاية من المخدرات «نبراس» د. سمحان الدوسري أن موضوع الضحايا كان وما زال يأخذ منه الكثير من الوقت، لتقصي أبعاده وكشف خفاياه، قائلا: «كان أول ما لفت انتباهي أن أكثر العلماء إسهاما في موضوع الضحايا هم العلماء اليهود، وأن البحوث العربية في هذا الموضوع تكاد تكون غير موجودة، إلا من قلة قليلة جدا من كتابات البعض من غير ذوي الاختصاص».

وأضاف: «تمنيت بعد اطلاعي على معظمها لو أن أصحابها لم يكتبوها، فقد وقعوا في أخطاء أحسب أنهم ما كانوا ليقعوا فيها لو أنهم بحثوا بشيء من الجدية، أو أنهم لم يقحموا أنفسهم في موضوع ليس من اختصاصهم ولن أزيد على ذلك، ومن بين تلك الأخطاء اعتقادهم بأن الاهتمام بموضوع الضحايا إنما جاء من باب رد الاعتبار للضحية أو رد حقوقه إليه، والبعض منهم ما زال يعتقد أن ذلك جاء من باب الرأفة والشفقة بالضحية».

وأكمل الدوسري: «والحقيقة لا هذا ولا ذاك كانت وراء الاهتمام بموضوع الضحايا، بل هي العكس تماما، أي أن الاهتمام بموضوع الضحايا جاء أول ما جاء في غير صالح الضحية، بل جاء من أجل لومها، ومن أجل التقليل من مسؤولية الجاني، ذلك أن منطلق العلماء الأوائل كان منطلقا قانونيا، فمعظم الرواد الأوائل ممن لفتوا الانتباه لموضوع الضحايا كانوا متخصصين في القانون الجنائي، ابتداء من الباحث «فون هانتنق»، وهو ألماني الأصل أمريكي الجنسية، وهو صاحب مقالة «الجاني وضحيته» المنشورة عام 1948م، التي تعتبر مع مؤلفه الذي طبع فيما بعد تحت نفس عنوان تلك المقالة، بداية الكتابة العلمية في موضوع ضحايا الجريمة، ومرورا بـ«بنيامين مندلسون»، وهو روماني الأصل فرنسي الجنسية يهودي الديانة، له إسهامات لا تنكر رغم ما يشوبها في عالم الضحايا، فكان قد دعا إلى عقد أول مؤتمر دولي في القدس عام 1973م عن ضحايا الجريمة، وطالب خلال ذلك المؤتمر باعتبار الأقليات المضطهدة من قبل السلطات ضحايا أيضا، وانتهاء بـ«فتاح»، وهو باحث كندي من أصل تركي أخذ الكثير من أفكار أستاذه الفعلي مندلسون».

وأضاف: «دعونا نعود إلى كيفية إسهام هؤلاء القانونيين، خصوصا اليهود منهم، إذ إن هؤلاء هم الأكثر إسهاما في موضوع الضحايا، ولنأخذ «مندلسون» كمثال، فقد جاء بمصطلح «الضحية المثير»، وهذا المصطلح يعني أنه عندما يكون هناك مثير فلا بد له من استجابة، بمعنى أن الضحية بموقفه أو بسلوكه هو مَنْ أثار الجاني، وأن سلوك الجاني ليس إلا استجابة لذلك المثير، وأخذ «فتاح» فكرة أستاذه هذه وجاء بمصطلح «الضحية القتيل».

وأردف قائلا: «وجاء هؤلاء بمصطلحات أخرى، مثل: الضحية المعتدي، والضحية المستفز، والضحية المتحرش، وغيرها من المصطلحات التي تشير إلى تورط الضحية، وتقليل مسؤولية الجاني في حدوث الفعل الإجرامي، كل ذلك من أجل كسب القضية، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، بل تطور وتم إدخال قضية الضحية إلى سوق الربح والخسارة، وأصبح لدى هؤلاء القانونيين زبائن وعملاء ومكاسب وخسائر، ودخلت أطراف أخرى في موضوع الضحية حتى أصبح الضحية هامشيا».

وأوضح أن إسهام واهتمام اليهود بموضوع الضحايا لم يكن من منطلق إنساني كما يظن البعض، بل جاء من منطلق مادي بحت، يلعب منطق الربح والخسارة فيه الدور الرئيس، بل الدور الوحيد والعجيب وليس الغريب في الأمر أن هؤلاء العلماء اليهود لا يرون فيما يدعونه من دور للضحية ما ينطبق على اليهود في عهد هتلر، فهم لم يرونهم استفزازيين ولا معتدين ولا غير ذلك مما أطلقوه على غيرهم من الضحايا الأبرياء حقا.

واختتم موضحا أن اهتمام اليهود بالضحايا لم يكن وليد اللحظة، بل كان منذ زمن بعيد، وبغض النظر عن التباين في اتجاه ذلك الاهتمام، فإنهم استطاعوا أن يجنوا ثماره، وما تبني هيئة الأمم المتحدة قرارا بتجريم مَنْ يحاول إنكار ضحايا محرقة الهولوكوست إلا واحدة من تلك الثمار، حتى إن كان طعمها مرا في أفواهنا نحن العرب.