د. فائز الشهري

عيد أضحى سعيد، وكل عام وأنتم بخير. قرأت منذ أيام التقرير العربي للاستدامة، الذي أعده فريق متعدد التخصصات من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا. وشارك في إعداده (مركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية)، وأشار إلى أن المملكة من بين البلدان العشرة الأولى من حيث عدد الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء. وقد كتبت عن ذلك مقالا بعنوان (التقرير العربي للاستدامة.. بحاجة للمراجعة) وأشرت فيه إلى أهمية مراجعة مثل تلك التقارير الصادرة من جهات خارجية لإعطاء الصورة الواضحة عن واقع التنمية بمملكتنا الغالية وطموحاتها وتحدياتها لتحقيق رؤية المملكة 2030 وأهداف التنمية المستدامة. ورغم ما أثاره التقرير السابق من مخاوف، فإن التقارير الرسمية المنشورة في وسائل الإعلام عن جودة الهواء والإشعاع في مدن المملكة، والصادرة عن الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة، تدحض نتائج التقرير المذكور.

التقارير المنشورة عن جودة الهواء والإشعاع في مدن المملكة، إضافة إلى نجاحات المملكة المتعددة، التي كان آخرها نجاح موسم الحج صحيا دون تسجيل أي حالة إصابة بكورونا رغم الظروف الاستثنائية التي يعيشها العالم، جعلاني أتذكر قصة العالم الجليل أبي حنيفة عندما كان يجلس مع تلامذته في المسجد. وكان يمد رجليه بسبب آلام في الركبة قد أصابته. وكان قد استأذن طلابه أن يمد رجليه لأجل ذلك العذر. وبينما هو يعطي الدرس إذ جاء إلى المجلس رجل عليه أمارات الوقار. فجلس بين تلامذة الإمام. فما كان من أبي حنيفة إلا أن عقص رجليه إلى الخلف ثم طواهما وتربع تربع الأديب الجليل أمام ذلك الشيخ الوقور، وقد كان يعطي درساً عن دخول وقت صلاة الفجر. وكان التلامذة يكتبون ما يقوله الإمام وكان الشيخ الوقور أو ضيف الحلقة يراقبهم وينظر إليهم من طرف خفي. فقال لأبي حنيفة دون سابق استئذان: يا أبا حنيفة إني سائلك فأجبني. فشعر أبو حنيفة بأنه أمام عالم ذي علم واسع، فقال له: تفضل واسأل. فقال الرجل: أجبني إن كنت عالما يُتَّكل عليه في الفتوى، متى يفطر الصائم؟. ظن أبو حنيفة أن السؤال فيه مكيدة معينة أو نكتة عميقة لا يدركها علم أبي حنيفة. فأجابه على حذر: يفطر إذا غربت الشمس. فقال الرجل بعد إجابة أبي حنيفة ووجهه ينطق بالجدِّ والحزم والعجلة وكأنه وجد على أبي حنيفة حجة بالغة وممسكاً محرجاً: وإذا لم تغرب شمس ذلك اليوم يا أبا حنيفة، فمتى يُفطر الصائم؟!!! وبعد أن تكشّف الأمر وظهر ما في الصدور وبان ما وراء اللباس الوقور، قال أبو حنيفة قولته المشهورة، التي ذهبت مثلاً وقد كُتِبَتْ في طيات مجلدات السِّيَر بماء الذهب: آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه.

وأخيراً وليس بآخر، نعيش أفراحا ونجاحات مستمرة في مراحل تنفيذ رؤية المملكة الطموحة 2030، ومواجهة تحدياتها يضرب بها المثل عالميا. ونتابع التقارير الصادرة عن جودة الهواء والإشعاع في مدن المملكة وهو مؤشر يدحض ما أشار إليه التقرير المذكور ويؤكد أن مثل تلك المنظمات والمراكز الخارجية لم تتعرف بشكل جيد على تجارب مملكتنا الغالية في مواجهة تحديات التنمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.