ترجمة: إسلام فرج

كل الطبقة السياسية المسيطرة على السلطة لعقود تتحمل المسؤولية

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن الانفجار الذي اندلع في مرفأ بيروت الأسبوع الماضي بمثابة نتيجة طبيعية لعقود من الفساد على كل مستويات المؤسسات اللبنانية.

وفي مقال نشر بالصحيفة، قال المحلل السياسي فيصل عيتاني: في أواخر التسعينات كنت مراهقا، وكان أول وظيفة لي أثناء الصيف في مرفأ بيروت.

وتابع يقول: قضيت آنذاك شهورا في إدخال بيانات الشحن كجزء من برنامج جديد طموح لنقل المرفأ من حفظ السجلات التناظري إلى الرقمي. ورغم أن الأمر كان مُملًا بقدر ما يمكنك توقعه من وظيفة في بداية السلم الوظيفي في جهاز بيروقراطي في الشرق الأوسط، إلا أنه كان هناك تفاؤل.

وأردف بقوله: كان المرفأ بنية تحتية حيوية في اقتصاد يستعيد نشاطه بعد 15 عاما من الحرب الأهلية، وكان حفظ السجلات الرقمي جزءا من المستقبل ومحاولة لإدخال النظام والشفافية المطلوبين بشدة إلى قطاع عام يتعافى.

ومضى يقول: كان هو نفس المرفأ الذي أصبح غير صالح للاستخدام خلال الحرب الأهلية بسبب السفن الغارقة والذخائر غير المنفجرة، باستثناء منطقة واحدة تسيطر عليها إحدى الميليشيات.

كارثة جديدة

وتابع: خرج لبنان من أنقاض الحرب ليختفي ويختنق تدريجيا على يد طبقة سياسية معيبة. وانفجار مرفأ بيروت قتل أكثر من 100 شخص وأصاب أكثر من 4 آلاف آخرين ودمار أحياء المدينة، يواجه لبنان الآن نوعًا جديدًا من الكارثة والتي لم يستعد لها بسبب عقود من الحرب والاضطراب السياسي.

وأردف بقوله: تبدو الحقيقة أكثر مللا وإزعاجا أن السبب وراء الانفجار أن عقودا من الفساد على كل مستويات المؤسسات اللبنانية هي التي دمرت مرفأ بيروت، ومعظم أنحاء المدينة، والكثير جدا من الأرواح.

ومضى يقول: حتى الآن، يتفق المسؤولون اللبنانيون حول ما حدث، على الرغم من أنه من المرجح أن تخرج أكثر من رواية رسمية.

وأضاف: في النهاية لبنان بلد منقسم بشدة بسبب السياسة والدين والتاريخ، لكن ما نعرفه حتى الآن، هو أن نحو 2750 طنا من نترات الأمونيوم التي جرى تفريغها من سفينة معطلة في 2014 تم تخزينها في مستودع بالمرفأ. ثم انفجرت تلك المادة.

إهمال وفساد

وبحسب الكاتب، فإن المرافئ ملكية للفصائل السياسية والإجرامية والميليشيات. وتسيطر عدة وكالات أمنية بمستويات مختلفة من الكفاءة وانتماءات سياسية مختلفة على جوانب متعددة من عملياتها. التوظيف في الجهاز البيروقراطي المدني تمليه الحصص السياسية أو الطائفية. وتنتشر ثقافة الإهمال والفساد وتبادل اللوم في الجهاز البيروقراطي اللبناني، بإشراف طبقة سياسية معروفة بعدم كفاءتها واستخفافها بالصالح العام.

ومضى يقول: ليس من الواضح أي مزيج من هذه العناصر ترك قنبلة موقوتة تبقى في مستودع لست سنوات تقريبًا، ونقل ألعاب نارية بجانبها وسمح بتنفيذ ممارسات عمل غير مسئولة بجوارها.

وأضاف: لكن الكارثة الخطيرة بشكل استثنائي هي نتيجة للعمل المعتاد في لبنان. اعتادت الدولة على الانفجارات وعلى الكوارث الناتجة عن فشل الخدمات العامة، مثل أزمة القمامة التي تعود إلى عام 2015، وكارثة بيئية في 2019، فضلا عن انقطاعات التيار الكهربائي هذا العام والتي تستمر لـ20 ساعة في اليوم.

عواقب خطيرة

وأشار إلى أن عواقب هذا الانفجار ستكون أكثر خطورة من الإصابات المباشرة وتدمير الممتلكات، موضحا أن صومعة الحبوب الأساسية، التي تحتفظ بـ85 % من الحبوب الغذائية، تم تدميرها.

وأردف: الأكثر من ذلك، لن يصبح المرفأ قادرا على استقبال البضائع. يستورد لبنان 80 % مما يستهلكه، بما في ذلك 90 % من قمحه المستخدم في طحين الخبز الذي يعد أساس النظام الغذائي لمعظم اللبنانيين. ويأتي 60 % تقريبًا من هذه الواردات عبر مرفأ بيروت.

وشدد على أن توقيت الانفجار كان هو الأسوأ، حيث يأتي في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ شهور.

وتابع: انهارت عملة الدولة، نتيجة لسنوات من سوء الإدارة والفساد، ولم يعد مئات الآلاف من الأشخاص قادرين على شراء الوقود والطعام والدواء.

ونوه بأن اللبنانيين الذين كانوا يرون مدخراتهم تتبدد وقدرتهم الشرائية تختفي، بدأوا يصفون وضع الدولة بـ «الميئوس منه».

قطاع الصحة

وأردف: فرضت أزمة فيروس كورونا ضغطا كبيرا على قطاع الصحة بعد انفجار المرفأ، اضطر العاملون بالمستشفيات لمعالجة الجرحى في الشوارع ومواقف السيارات. ربما يضع الانفجار لبنان على طريق كارثة صحية وغذائية لم يشهدها في أسوأ حروبه. وأشار إلى أن الطبقة السياسية اللبنانية يجب أن تكون على أهبة الاستعداد في الأسابيع المقبلة، حيث ستتحول الصدمة إلى غضب، مضيفا «مع ذلك، هؤلاء الساسة متمرسون في تبادل اللوم. أنا لا أتوقع استقالات رفيعة المستوى أو اعترافات بالمسئولية».

انتفاضة غضب

وتساءل عيتاني: هل ستحدث ثورة؟ انتفاضة غضب؟ إن أي دافع ثوري يجب أن يكون أقوى من الانتماءات القبلية والطائفية والأيديولوجية.

ومضى يقول: لم تكن هناك حاجة ماسة للإصلاح والمساءلة أكثر من الآن، بخلاف التضحية بالمسؤولين على المستوى المتوسط. من الصعب تخيل مثل هذه الحركة الوطنية المنسقة لأنها لم تتحقق أبدا، لكن الجوع والانهيار في الرعاية الصحية ربما يغيران ذلك.

وأوضح أن اللبنانيين سيحتاجون لتدفق سريع من المساعدات الخارجية لتجنب نقص الغذاء وكارثة في الصحة العامة.

وأضاف: هذه المساعدات قادمة من دول في الشرق الأوسط وحول العالم. لكن هذا لن يمنع انحدار الدولة. إن المساعدات الطارئة سوف تُضخم الإحساس العام بالذل والعجز. لقد أوضح الانفجار أن لبنان لم يعد بلدًا يستطيع الأشخاص المحترمون أن يعيشوا فيه حياة آمنة ورغدة.