صفاء قره محمد ـ بيروت

دياب يغادر ويتنصل ويحمل الطبقة السياسية مسؤولية الانهيار

سجل اللبنانيون أمس انتصارا على السلطة باستقالة حكومة «حزب الله» بعد كارثة «مرفأ بيروت»، لكن ملايين اللبنانيين رأوا أن هذا الانتصار يبقى منقوصاً إذا لم يتبعه استقالة لرئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وحلّ البرلمان وإقرار قانون انتخابي عصري يلاقي مطالب وطموحات اللبنانيين؛ ليتمكن اللبنانيون من استعادة سيادة بلدهم والتحكم بمصيرهم ومستقبلهم.

ويرى قادة التظاهرات أن الوصول إلى نظام جديد في لبنان يبدأ بسقوط «سرطان الجمهورية اللبنانية» في بعبدا، نظراً لما يمنحه ميشيل عون من شرعية لحليفه «حزب الله»، وتتعالى أصوات اللبنانيين في ساحات التظاهر للمضي قدما ومواصلة الضغط الشعبي في الشارع لإسقاط عون وإخراجه من القصر الجمهوري قبل أن يتكبد اللبنانيون المزيد من الكوارث والانهيارات، وصولا إلى نزع سلاح «حزب الله».

دياب يتنصل

وأعلن مساء أمس رئيس الحكومة حسان دياب من السراي الحكومي، استقالته وقال: «الكارثة التي ضربت اللبنانيين حدثت نتيجة الفساد المزمن في الدولة والإدارة»، معتبراً أن «منظومة الفساد أكبر من الدولة». ورأى «نحن أمام مأساة كبرى وكان على القوى أن تتعاون على تجاوز المحنة»، لافتاً إلى أن «الطبقة السياسية أهدرت ودائع الناس وأوقعت البلاد تحت أعباء الدين» وأنها مسؤولة عن الانهيار.

وأضاف: «حاولوا تحميل الحكومة مسؤولية الانهيار والدين العام فعلا وهذه الحكومة بذلت جهدا لوضع خريطة طريق».

خطوة استباقية

وعلمت «اليوم» أن استقالة الحكومة جاءت حفظا لماء الوجه قبل جلسة المساءلة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، التي تهدف إلى الضغط على الحكومة لتقديم استقالتها، وهكذا قام الرئيس المستقيل حسان دياب بخطوة استباقية.

ويرى مراقبون أن استقالة الحكومة لن تهدئ غضب اللبنانيين، ولو كانت إنجازا للشعب اللبناني الغاضب، مؤكدين أن الثورة مستمرة حتى سقوط عهد ميشال عون في الشارع اللبناني وحل المجلس النيابي.

كر وفر

واصل اللبنانيون الرافضون تظاهراتهم لليوم الثالث على التوالي، وحاولوا أمس اقتحام مبنى البرلمان اللبناني وسط بيروت إلا أن حشودا كبيرة من القوى الأمنية استخدمت كل أنواع الحزم لصدّهم عن الولوج إلى المجلس النيابي.

واستأنفت مشاهد الكرّ والفرّ في وسط بيروت أمس، بين القوى الأمنية والثوار الغاضبين، حيث شهدت ساحة الثورة عمليات رشق حجارة على القوى الأمنية التي ردّت بالقنابل المسيلة للدموع. وأطلق عدد من المتظاهرين المفرقعات النارية باتجاه بوابة مجلس النواب، كما تمكن عدد من الشبان من تسلّق البلوكات الإسمنتية وإحداث فجوة في الطريق المؤدي الى المجلس، مما دفع القوى الأمنية لرمي القنابل المسيلة للدموع.

مطالبة ماكرون

وعلى وقع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت، كشفت مصادر إعلامية أنّ «ماكرون أمهل القوى السياسية اللبنانية 3 أسابيع للتوصل إلى ميثاق سياسي جديد»، إلا أن هذا الكلام لم يكن صداه إيجابياً على المتابعين للشأن اللبناني، واعتبر منسق عام التجمع من أجل السيادة المحلل السياسي نوفل ضو، في تصريح لـ«اليوم»، أن «هنالك دستورا لبنانيا منذ العام 1926، كما هنالك ميثاق وطني منذ العام 1943، بالإضافة إلى اتفاق الطائف عام 1990»، موضحاً أن «مطالبة ماكرون بميثاق وطني جديد يعني تأسيس لبنان جديد، وهذا الميثاق الجديد قد يفهم منه عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين يعيد توزيع السلطة فيما بينهم وخلط مفاهيم التعايش والحكم، وبالتالي إما الالتباس قائم بين التعبير الفرنسي للميثاق وترجمته إلى العربية، وإما أن هنالك مشروعا خطيرا على لبنان، يهدف إلى إعادة إنتاج الدولة اللبنانية بشروط حزب الله وإيران، وهنا تكمن الخطورة اليوم».

لا ميثاق مع السلاح

ويشدد على أن «الحديث بإعادة إنتاج ميثاق وطني جديد من دون الحديث عن سلاح حزب الله والسيادة اللبنانية، ورفع النفوذ الإيراني عن لبنان، كل هذا الكلام يعني بكل بساطة أن هناك من يريد أن يتجاوز في لبنان خطورة السلاح على مفهوم الدولة اللبنانية والشعب اللبناني، وأن يذهب إلى ترجمة هذا النفوذ على أرض الواقع في السياسة، لهذا إذا ثبت أننا نسير على خطى إعداد ميثاق سياسي جديد فهذا أمر خطير جداً، وبالتالي لا يجوز السكوت عن هذا الموضوع سواء أكان مصدره فرنسا أم الداخل اللبناني».

ويلفت ضو إلى أن «إعداد ميثاق سياسي جديد يعني تعويم كل السلطة في لبنان، وتعويم حزب الله، الذي أصبح محشوراً نتيجة للعزلة العربية عليه، وبدء فهم اللبنانيين أن كل المشكلات التي يعيشونها هي نتيجة سلاح حزب الله ومشروعه في لبنان، لكن هنالك محاولة اليوم للجلوس مع الحزب وإعادة إنتاج ميثاق وطني جديد، وكأن المطلوب الأخذ بشروط الحزب، بالنظر إلى تركيبة لبنان بشكل عام».

جوهر المشكلة

ويجزم المحلل السياسي أن «أي قانون انتخابي جديد في ظل السلاح، سيؤدي إلى النتيجة ذاتها، لا يوما من الأيام احترم حزب الله، نتيجة الانتخابات بسلاحه، فكيف اليوم بعدما أصبح لديه أكثرية في مجلس النواب وحكومة بيده، وأصبح هو الذي يكوّن السلطة في لبنان»، معتبراً «مشكلة لبنان هي أن السلطة لم تعد تتكون بالإرادة الشعبية والانتخابات، وبالدستور وبالقانون، ومنصوص النظام السياسي البرلماني ـ الديموقراطي في لبنان، وإنما أصبحت السلطة تتشكل من خلال نفوذ سلاح حزب الله وسطوته على الحياة السياسية في لبنان، فإذا فعلاً أردنا أن نخرج من هذه المشكلة فعلينا أن نعطّل ما يعطّل النظام في لبنان، المشكلة في لبنان ليست مشكلة نظام سياسي، أو ميثاق، المشكلة تكمن في سلاح يعطّل الميثاق والنظام وسيعطّل أي ميثاق أو نظام آخر، ما لم يكن هذا النظام يسمح لحزب الله بأن يكون ناظماً للحياة السياسية في لبنان، كما أن الحرس الثوري في إيران ناظم للحياة السياسية هناك، هذا هو جوهر المشكلة».

تغيير السلطة

وفي المواقف السياسية، لفت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، بعد لقائه بنواب «اللقاء الديموقراطي» موفدين من رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، في معراب، إلى «أنّنا استمعنا إلى ما تفضّل به أعضاء «اللقاء الديمقراطي» والأمور تتقدّم بوتيرة سريعة، وسنسمع أخبارًا جيّدة في الساعات القليلة المقبلة في هذه الأيام السيّئة».

وأعلن «أنّنا على بُعد ساعات من إعلان موقف كبير، واستقالة الحكومة لا تعنينا بمعنى أنّها لا تُقدّم ولا تؤخّر، لأنّ أي حكومة جديدة ستكون شبيهة بسابقتها، وهدفنا الذهاب إلى لبّ المشكلة أي المجلس النيابي»، مبيّنًا أنّ «تغيير الأكثرية النيابية هو الأساس، وهذا لا يحصل إلّا بانتخابات نيابية مبكرة، ونحن لسنا أصحاب موافق طوباوية، بل مواقف تفيد الناس». وشدّد على «أنّنا نطالب بانتخابات نيابية مبكرة على أساس القانون الانتخابي الساري المفعول، والرأي العام هو الّذي باستطاعته التغيير وليس القانون»، مؤكّدًا «وجوب تغيير السلطة الحاليّة بأي طريقة وهذا هدفنا».

الأمم المتحدة تدعو

وفي المواقف الدولية، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال جلسة لمجلس الأمن حول لبنان، إلى «تحقيق إصلاحات اقتصادية في لبنان»، مشدداً على أن «الانفجار جاء في وقت صعب حيث يواجه لبنان صعوبات اقتصادية وتأثيرات جائحة كورونا».

وعبّر عن «تضامنه الكامل مع الشعب اللبناني في أعقاب انفجار المرفأ»، مطالباً بـ«إجراء تحقيق شفاف بالتفجير ويجب الإصغاء لصوت الشعب»، لافتاً إلى أن «التداعيات الاقتصادية لتفجير بيروت كبيرة والأمم المتحدة تشارك بعمليات الإغاثة».

تطور جديد

وفي تطورات قضية «كارثة بيروت»، أحالت حكومة تصريف الأعمال ملف انفجار المرفأ إلى المجلس العدلي بناء على اقتراح وزيرة العدل المستقيلة ماري كلود نجم التي شاركت في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في السرايا برئاسة الرئيس حسان دياب.

وفي عداد المفقودين، تمكنت فرق الإنقاذ التابعة للجيش اللبناني بالتعاون مع فرق الدفاع المدني وفوج الإطفاء وفريقي البحث والإنقاذ الروسي والفرنسي من انتشال خمس جثث لضحايا انفجار مرفأ بيروت. وتستمر عملية البحث على باقي المفقودين.

نترات الأمونيوم

وكشف خبير المتفجرات الإيطالي دانيلو كوبي، عبر صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، أن الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت نتج عن احتراق صواريخ عسكرية وليس نترات الأمونيوم، كما جرى الترويج له.

ويعتقد كوبي أن الانفجار لم يكن بسبب نترات الأمونيوم «لأن لون السحابة كان برتقاليا»، حسب ما أظهرته الصور ومقاطع الفيديو، موضحاً أن «انفجار نترات الأمونيوم يخلف سحابة صفراء واضحا لونها».