د. نورة عبدالله الهديب

مع هذا التقدم السريع والتحولات الجذرية في المجالات المختلفة، فإن التيارات الفكرية المتنوعة قد استحدثت مصطلحات ومفاهيم جديدة لتعاصر الظروف والأحداث المستجدة. وبناء على المحتوى العلمي أو النظري لهذه المصطلحات فإن استخدامها يجب أن يتم بالشكل المطلوب. وبعيدا عن الحزازيات أو الظروف الشخصية لكي لا تتغالط مفاهيم تلك المصطلحات للدخول في صراعات فكرية جديدة.

ولاحظت مؤخرا في مجتمعنا أن هناك بعض المصطلحات التي حرفت من قبل البعض. وتحريفها مبني على جهل وحماقة بعض العقول، مما يظهرهم في صورة سلبية قد يتخذها البعض كصورة نمطية للمستوى الثقافي أو التعليمي في مجتمعنا. على سبيل المثال، النسوية والليبرالية والعلمانية والعنصرية والحرية وغيرها من المفاهيم التي أخرجها الجهلاء عن مسارها العلمي أو التنظيري الصحيح. ولأسباب تتراوح بين جهل وقلة وعي لتتناسب مع أفكارهم المتطرفة لمحاربة من يخالفهم فكرا أو عاطفة.

لم تخرج هذه المفاهيم والمصطلحات من فراغ، بل كانت نتيجة ثورات علمية وتضحيات بشرية لمحاولة إثباتها واستخدامها في أماكنها المناسبة. ليمتد نفعها للأجيال التالية وأيضا ليتم تطويرها مستقبلا لتتناسب مع أدوات كل زمان ومكان تتواجد فيه. ومن حق الوعي على مجتمعنا، أن نعطي هذه المصطلحات حقها في تفكيك محتواها لأخذ الإيجابي منها وترك السلبي منها. شخصيا، يؤسفني أن يتم استخدام الناتج الفكري للعلماء بشكل سلبي وتحريفه ليكون محتوى فاسدا ومعاديا لأفكارهم الشخصية.

فلم يخلق لنا الله العقل لكي ننسخ ونلصق العلوم والمعارف السابقة أو الحالية لنستخدمها في ظروف بيئة متغيرة ومستقبلية. فالعقل البشري بطبيعته ثابت العمل ومتغير المحتوى وعلى الإنسان أن يستوعب هذه النعمة. وبما أن المحتوى العلمي والمعرفي متغير ومتجدد، فعلى العقل أن يعمل على تفعيل وظائفه لتسخير المحتوى المناسب لبيئته. وهذا ما ينقص البعض والذين قد عطلوا عمل عقولهم ليبقى المحتوى منسوخا وغير متجدد. ولكي لا يقع أطفالنا مستقبلا فيما وقع فيه هؤلاء، فإنه من الواجب علينا أن نكثف جهودنا التربوية والتعليمية لنشر الوعي العلمي والمعرفي بطرق مختلفة. والتعليم هو نقطة البداية ومن خلال تطوير المحتوى المنهجي للمراحل الدراسية سوف نساعد عقول أطفالنا على اتساع دائرة الوعي.

وكباحثة مهتمة بالطفل، فإنني أرى أنه من الواجب علينا أن نربي أطفالنا على أهمية الاختلاف وضرورة احترامة. وأن المعاداة الفكرية ستعطل مسيرة التقدم التي يقودها العقل وكيفية تسخير الاختلاف ليكون في صالح طفل المستقبل. وأيضا، كيفية الاستفادة من نتائج العلماء واستخدام الصالح منها لغرض نهضة الفرد والمجتمع والوطن. وأخيرا، فإننا لا نريد لأطفالنا أن يقعوا في مثل ما وقع فيه الجهلة والحمقى الذين أبدعوا في تحريف المفاهيم وعطلوا عجلة التقدم الذي تطمح له رؤية بلادنا.

FofKEDL@