يوسف الحربي

يقاس تمدن الأمم وحضارتها في علم الاجتماع بعدة أمور منها عنايتها بالفن ونتاجها منه والتأثير الذي يصنعه على المجتمع، ومن هنا يمكن لمن يتابع الحركة الثقافية السعودية أن يلاحظ مدى الانتعاش والتنظيم الفني الذي بدأ يؤتي إيجابياته الواعية على كثير من المستويات سواء الفردية أو الجماعية، وهذه المستويات بدورها تتوافق وتندمج مع مختلف القطاعات السياحية والاجتماعية والاقتصادية.

وهو ما حاولت بناءه القيادة وهي توجّه اهتمامها العميق بقطاع الثقافة بشكل متكامل ومكتمل وفق المخططات التنموية والرؤى البناءة بالارتكاز على عمل وزارة الثقافة.

ولعل التوجيه الملكي مؤخرا، والذي صدر تطبيقا لمقترح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الخاص بتوجيه الجهات الحكومية لاقتناء الأعمال الفنية والمنتجات الحرفية الوطنية في مقراتها، والتأكيد على جميع الجهات الحكومية اقتصار القطع الفنية في مقراتها على الأعمال الفنية الوطنية وفق دليل تقدّمه وزارة الثقافة بالأعمال الوطنية وأسماء الفنانين، يعتبر قرارا حكيما وله صداه وإشعاعه الذي سينعكس على الفن التشكيلي والفنون البصرية والحرفية السعودية.

إن تطبيق القرار سيكون مؤثّرا بشكل كبير ومتواصلا ومُطوّرا إذا ما صحّت العبارة، لأن الثقافة التي تتوجّه نحو الوطن والهوية تحتاج أن تحمل تلك العدوى الإيجابية التي ستتضاعف، وستتوافق وترتكز على الكثير من القيم الجمالية التي ستولي اهتمامها بالمحلي والعلامة البصرية التي تحمل الخصوصية والتميّز السعودي، كما ستفتح أفقها على الفنان السعودي الذي من حقه أن يُعرّف في وطنه أن تُقتنى أعماله ويُنتج ويعمل وهو على يقين وإدراك أن ما يقدّمه هو انعكاس رُقي ونضج وحضور قادر على الإشعاع.

إن مثل هذا القرار يوجّه الوعي والتوازن والمعرفة والذوق والتذوّق والانتماء، وفي نفس الوقت يضاعف الثقة والتميّز والدقة والحرفية على مستوى الإنجاز والتطلّع والخصوصية والمواكبة والابتكار والجمالية والفنية والعمق، لأن الاقتناء الفني عمل مدروس ومنظّم خدمة للفن والفنان والثقافة السعودية وتوثيقا لعمق جمالي مستمر ومتواصل مرتكز على القيمة.

فحرص القيادة على الاهتمام بالفنون لم يتوقف عند تنظيمها وعرضها وتوثيقها بل بدراسة سبل التنسيق الجمالي والتعاون القطاعي والاستثمار فيها بعمق يرتقي بها ويطوّرها وينشر الاهتمام بالفنون في المملكة. فالجهات التي دعاها سمو ولي العهد لتركيز الفنون السعودية ستواكب الأعمال الفنية في المملكة، وسيكون لها صدى متابعة المعارض والاهتمام بها من خلال منافذ التواصل مع المختصين والوساطة الجمالية بالتعاون مع الجماعات الثقافية والجمعيات ومنظمي المعارض والأنشطة التي تنظمها وزارة الثقافة ما سيخلق حركية وحيوية ووعيا ومشاركة وبالتالي نهضة حقيقية بالفنون والحرف والخصوصية الجمالية السعودية، ومنها ما يشجع مستقبلا في دخول دور المزادات العالمية للسوق السعودية وتصديرها للمزادات العالمية وارتقاء الفنان السعودي في مصاف الدول الفنية.

yousifalharbi@