واس - مكة المكرمة، المدينة المنورة

إمام المسجد النبوي: على المسلم اغتنام خير أيام الدنيا

قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. أسامة خياط: لقد أظلكم زمان شريف، من غرر الأيام، يجدد للمؤمنين العهد بالطاعة، ويصلون فيه البر بالبر، ويتبعون الحسنة بالحسنة، ويعقبون الإحسان بالإحسان، وهي الأيام العشر المباركة المعظمة من شهر ذي الحجة، التي هي خير أيام الدنيا، وأجل مواسم الخير.

عبودية الذكر

ولفت في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أمس، إلى أن أولى ما يتقرب به العبد لربه في هذه الأيام: إقامة الفرائض، واجتناب المحارم، فإنها رأس التعبد وعموده، ثم يعقب الفرائض بضروب من التعبد بنوافل الطاعات، من صلاة وصيام وصدقة وتلاوة وصلة، فإنها تورثه درجة المحبوبية.

وأبان أن في التعبد لله تعالى بعبودية الذكر في هذه العشر موقعا متفردا، ومقاما عليا، ذلك أن الذكر هو خير الأعمال وأزكاها عند الله عز وجل، وقال: ولئن كان هذا هو شأن الذكر في عموم الأحوال، فهو في هذه العشر أظهر شرفا، وأعظم منزلة، ولذا جاء تخصيصه- تعظيما له واهتماما به- من بين سائر الطاعات، وإن «على كل جارحة من الجوارح- كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله- عبودية مؤقتة، إلا الذكر، فإنه عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة، بل هم مأمورون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال: قياما، وقعودا، وعلى جنوبهم، وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقا، ازداد لمذكوره محبة وإلى لقائه اشتياقا، وإذا تواطأ على الذكر القلب واللسان، نسي العبد في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله عليه كل شيء، وكان له عوضا من كل شيء، وهو خاتمة الأعمال الصالحة كما هو مفتاحها، وهو قرينها وروحها، فمتى خلت منه كانت كالجسد بلا روح».

أمهات العبادة

وأضاف: ذكر العبد لربه محفوف بذكرين من ربه له: ذكر قبله به صار العبد ذاكرا، وذكر بعده به صار العبد مذكورا، وشدد على أن كل عمل صالح في هذه العشر محبوب مطلوب، داخل في جميل الموعود وكريم الفضل، فليست هذه العشر مقصورة على لون واحد من التعبد، بل هي مضمار لاستباق الخيرات.

وأشار الى أن لتفضيل هذه العشر المباركة على غيرها من أيام العام سببا بينه الحافظ بن حجر رحمه الله بقوله: «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره» وأنه لما كان الله سبحانه وتعالى قد وضع في نفوس المؤمنين حنينا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرا على مشاهدته في كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركا بين السائرين والقاعدين، فمن عجز عن الحج في عام، قدر في العشر على عمل يعمله في بيته يكون أفضل من الجهاد، الذي هو أفضل من الحج.

وقال: ألا فمن حرم بهذه الجائحة من شرف الموقف بعرفة، فليقف بين يدي الله بشرف الذل والحب والأنس والمعرفة، ومن حيل بينه وبين المبيت بمزدلفة، فليزدلف إلى ربه في كل حين وآن يشكر له ما أزلفه، ومن حصر عن البيت مخافة الوباء، فلينزل حاجته برب البيت، فإن رزقه ليس له انقضاء، وإن يده بالخير لسحاء الليل والنهار. وأضاف قائلا: ومن أراد التقرب إلى ربه سبحانه بنحر الأضاحي يوم النحر، فليتقرب إليه عز وجل بأن لا يأخذ من شعره وأظافره حتى يضحي.

المواسم الفاضلة

وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ حسين آل الشيخ، المسلمين بتقوى الله فهي خير الزاد ليوم المعاد، وبين أن من المواسم الفاضلة أيام العشر من ذي الحجة الموفق والسعيد من بادر فيها بالمسابقة إلى أنواع الطاعات والأعمال الصالحات، وتابع إن الله تعالى أقسم بها مما يدل على عظيم فضلها وشرفها.

وأردف في خطبة الجمعة أمس إن على من يبتغي الفلاح وينشد الخير والصلاح أن يتاجر مع الله تعالى وانتهاز هذه الأيام والمبادرة فيها بالخيرات.

وأضاف إن على المسلم اغتنام هذه الأيام فهي فرصة لا تعوض، وأوضح أن سلف هذه الأمة كانوا يجتهدون في هذه الأيام أشد الاجتهاد لعلمهم بفضلها وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة- رضي الله عنهما- كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، وتابع إن العمل الصالح الوارد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتصر على نوع ما وإنما هو اسم عام لكل قربة وردت في النصوص الشرعية ومنها الأعمال البدنية كالصلاة والصيام والحج وقراءة القرآن والإكثار من الذكر والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مردفا فضيلته أن الأعمال الصالحة المتعدي نفعها إلى المسلمين كالصدقة والإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم.