فارس المحيميد

أصبحت الحياة أكثر صعوبة، مليئة بالارتباطات والأعمال والظروف التي تواجه أصحابها. تجبر الإنسان أحيانا أن يبحث عن رزقه أكثر من نصف يومه، والنصف الآخر ما بين النوم وتفاصيل حياته بالغة الأهمية، مثل لقاء الوالدين وشراء حاجات المنزل والبقاء مع الأبناء والأسرة.

وفي الجزء الفارغ من الحياة، هناك شخصيات تعتقد بأنها هي الجزء الأهم في الكون، يستغرب إن لم يزره الأصدقاء ويرمي بكل كلمات اللوم على الآخرين، ويجزم بأن له حقا على الجميع بلا استثناء. إن أقبلت عليه لامك على عدم الاتصال به الأسبوع الماضي، أو يستغرب عدم حضورك لجلسة القهوة بعد صلاة الجمعة رغم أنه الغياب الأول منذ ستة أشهر. حتى الكرم لديهم يكون ثقيلا جدا، لأنهم لا يؤمنون بالظروف ولا يقبلون اعتذارا عن حضور وليمة مهما كان السبب.

هذه الشخصيات في غالبها تعيش حياة رتيبة، لا أهداف لديهم ولا طموحات ولا يملكون أي تحديات. لا تتجاوز اهتماماتهم متابعة الآخرين والبحث عن مكامن التقصير لديهم، يستمتعون بوضع اللائمة على من حولهم في أدق التفاصيل التي لا قيمة لها. يغضب إن اطلعت على رسالته في الواتساب دون أن ترد أو تعطي رأيا، أو تأخرت في المباركة بترقية وظيفية له فهو ينسى المبادرة بالتهنئة بسبب التأخير فيها.

حتى لو كانت الشخصيات لها حق على من حولهم، مثل العم والعمة أو الخال والخالة وغيرهم من الأقارب، فإن اللوم أو كما يقال في العامية «التشره» يجعل الزيارة ثقيلة مزعجة، لأن الفرد يحضر احتسابا للأجر وتقديرا للقريب ويعلم يقينا أنه سيستقبل كلمات اللوم قبل الرد على السلام. استقبال الزائر بالابتسامة والكلام الطيب هو من الكرم الحقيقي، وهو الأمر الذي يجعل البيت ملاذا للناس لأنهم يجدون فيه الراحة بعيدا عن التكلف.

يتداول المجتمع عبارة «يا محور الكون» لكل من يعتقد أنه نقطة الجذب بين البشرية، وهي توضح حقيقة حال أصحابها لأنهم يرون اختلافا كبيرا بينهم وبين الآخرين، لدرجة استغرابهم من أي تقصير يتم تجاههم.

يواجه الناس ظروفا في حياتهم لا يريدون إظهارها للآخرين، تفاصيل بسيطة تجعلهم أحيانا يعيشون في عزلة حتى تزول ظروفهم. والضغط عليهم باللوم يجعلهم أمام خيارين أحلاهما مر، إما الكذب حتى يخرجوا من المأزق أو يتم إجبارهم كرها بالبوح بما في قلوبهم، وهذه ليست من المروءة ولا يقبلها إنسان في قلبه مثقال ذرة من الكرامة.

هذا لا يعني أن يكون هناك إهمال في الزيارات الأساسية لمن لهم حق على الفرد، لأن الإنسان الذي يبتعد عن والديه ويقصر تجاههما على سبيل المثال فهو معدوم الإنسانية، لكن حديثنا عن الأقل منهم والذين يمارسون ضغوطا أحيانا أضعاف ما يطلبه الوالدان.

لمحبي لوم الآخرين أقول لهم: مهما كان قدركم عند من حولكم، إلا أن اللوم المستمر يجعل زيارتكم واللقاء بكم أمرا ثقيلا على النفس. ساعات الجلوس معكم تكون أثقل من الجبال، وتنقطع الأنفاس أثناء اللقاء حتى تحين لحظة الوداع. صدقا إن الحياة أسهل من الصعوبات التي تضعونها أمام الآخرين، عليكم تجربة العيش بهدوء وسلام وابتسامة، كونوا أداة جذب بالبساطة والترحيب والكلام العذب. لأنكم ستجدون أنفسكم تعيشون الوحدة يوما، ولن يبقى بجانبكم سوى من لهم حق عليكم، لأنهم سيكسبون أجر الوصل وأجر الصبر عليكم.

fares2232 @