د. محمد باجنيد يكتب:

‏أهرب من نفسي إليها.. أختفي خلفها.. أحتمي بها.. تضمني.. تغنيني عن كل البشر.

لم أعد أحتاج أحدا.. تملؤني نفسي.. ألتفت إليها.. تبوح لي وأنا أستمع.. تعاتبني على العمر الذي مضى.. ونتعاهد على العمر الذي بقي!

منذ أن جئت إلى المنصب لم أشعر به.. تفرغت لمساعدة الناس.. لم أرد يوما أحدا جاء لحاجة أستطيع قضاءها أو حتى لا أستطيع.. كنت أجبر كسره بما أستطيع.. كنت أتضامن معه ضد الذين ظلموه.. أين هم من ظلموه؟!.. إنهم هناك في عالم آخر.. وغدا ستدور عليهم الدوائر!

الحر ينذر نفسه لسيادة المصلحة العامة.. والوضيع يضحي بالكل من أجل مصلحته الخاصة.. وما بين الرفعة والخسة مسافة الكرامة.. تعلو عند البعض وتلامس النجوم وتدنو عند آخرين فيبلغ بهم الهوان أسفل سافلين.. ويظنون أنهم على خير!

من الحكمة ألا تجاري المخطئ وتعاديه.. العقاب خيارك الضعيف لتنصف نفسك والصفح خيارك الذي يرفع من قدرك.. قال الله تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى.. ويقول: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.

روح الإنسان الجميل.. لا ترضى أن يعاني غيره، فتراه يضحي بمتعه المشروعة.. يؤمن بأن سعادته لا يمكن أن تقوم على تعاسة الآخرين ولو كانوا غير محقين.. إنها الرحمة.. إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

كلما منعني الله شيئا احتسبت فيه الخير.. صرفا لشر فيه أو ادخارا للأجر على الصبر والابتلاء.. فهدأت نفسي وزدت تعلقا به وذلا له وطمعا فيه.. يا الله ما أعظمك وما أشد حاجتنا إليك.. وعجبت لمن يرجو البشر..

ثقتي بالله لا تتزعزع.. مهما اشتد الخطب وحيكت المؤمرات.. وتعطلت الأسباب.. يبقى شيء واحد لا يتعطل: إرادة الله.. نلجأ إليه فيمنحنا.. والمفلسون البائسون ينظرون.. أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ.

‏إذا وجدت من يحبك فاستبشر.. فلن تحرم من دعواتهم.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولك بمثل» والدعوة مستجابة.

‏وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه.

*****

تعلمت من الحياة..

‏ألا أتوسل ولا أتسول..

‏مهما كانت حاجتي..

‏فقاضي الحاجات..

‏ليس بين البشر..

‏مهما علا شأنه..

‏وبلغت قدرته..

‏فهو مرتهن مثلك..

‏بإرادة علوية..

‏تقدر كل شيء..

‏فارفع نظرك..

‏إلى السماء..

‏وسينزل المطر

mbajunaid@