فارس المحيميد

أحد الأصدقاء تخرج من الجامعة بتخصص تربوي، لم يجد وظيفة رغم محاولاته الكثيرة، حتى ضاق ذرعا وانقطعت لديه السبل. في تلك اللحظات المليئة بالإحباط، وجد إعلانا عن فتح إحدى الجهات الصحية مجالا للمتطوعين بكافة التخصصات، ولأنه يحب التصوير من صغره وسبق أن اشترى كاميرا احترافية من قبل، شعر أن المشاركة في هذه الأنشطة أفضل من أن يبقى في منزله.

ولأن الحدث كان بحضور معالي وزير الصحة، فقد كانت المخرجات لديه من الصور عظيمة حتى أنها لقيت إعجاباً من الجميع، هو بنفسه لم يكن يعلم أن جودة الصور لديه ستكون مبهرة لأنه كان يعمل هاويا لا أكثر. بعد ذلك أصبح تأتيه طلبات كثيرة لتصوير المناسبات بمبالغ لا تتجاوز الخمسمائة ريال لليوم الواحد، رغم الإرهاق الذي يصاحب عملية التصوير التي تدوم أحيانا إلى عشر ساعات بمعنى خمسين ريالاً للساعة الواحدة. ثم أصبح يعمل مع ثلاث شركات إعلامية من خلال القيام بأعمال التصوير لديهم متى ما دعت الحاجة، وفجأة وبعد ستة أشهر من دخوله هذا المجال وصل دخله الشهري حوالي خمسة آلاف ريال.

ذهب إلى قريب له يعمل في مجال المطاعم وذكر له التفاصيل التي عاشها خلال الأشهر القليلة الماضية، ثم تلقى منه كلمات لم يكن يتوقعها إذ أكد له قريبه أنهم يجدون صعوبة في إيجاد المصور الجيد لتصوير المنتجات، وأن هذا المجال هو تجارة بحد ذاتها وأشار إليه أن يفتح مؤسسة متخصصة وينطلق فيها بكل قوة.

أثارته هذه الكلمات وحاول أن يتحقق أكثر، ذهب إلى إحدى الشركات الإعلامية وطرح لهم فكرة أن ينفذ كل أعمالهم بشكل حصري شرط أن يكون متفرغاً لكل أعمالهم. وبعد أن وجد منهم الموافقة والترحيب دخل موقع وزارة التجارة وهو في منزله واستخرج سجلا تجاريا باسمه.

تلك الانطلاقة كانت قبل ثمانية أعوام، وتحديدا مطلع عام 2012م، حاله اليوم أصبح مختلفا ومحفزا لأي فرد في المجتمع. لديه شركة مختصة بالإنتاج الفني تقوم بتنفيذ الفيديوهات سواءً التصويرية أو الجرافيك، إضافة إلى تنفيذ كافة أعمال الفيديو والتصوير الفوتوغرافي للمناسبات الحكومية والخاصة. أرباحه السنوية تتجاوز المليون ريال، ومكتبه في أحد أحدث الأبراج في مدينة الرياض ويدير أكثر من خمسة عشر موظفا.

من هذه القصة وغيرها، نستنتج أن الحياة غير مرتبطة بالوظيفة كما يصورها البعض وكرستها ثقافة المجتمع، وإنما هي فرص عظيمة لكنها لا تأتي إلى الكسالى في منازلهم. شباب في مقتبل العمر ضاعت أعمارهم ما بين الاستراحات والمقاهي ومشاهدة الأفلام والمسلسلات والمباريات، يعتقد أن الوظيفة هي الملاذ الوحيد بعد الله، وكأنه رمى المسؤولية على كاهل والده أو إخوته أو أقاربه ليجدو له وظيفة. هؤلاء الشباب طاقة كبيرة، ضياعها هي خسارة لأنفسهم وللمجتمع حولهم لن تظهر نتائج هذه الخسارة إلا بعد أن تمر عليهم السنوات وهم في مكانهم.

لذلك أقول لكل شاب لم يجد له وظيفة، أو وظيفته لا تحقق له الاستقرار المالي في هذه الحياة الصعبة المليئة بالالتزامات من كل جانب. لديك طاقة كامنة قد تجهلها، ابحث عنها وقرر أن تكون شخصا مختلفا يضع له أهدافا وطموحات قريبة وبعيدة، واستشر المختصين سواءً كنت تعرفهم أو أن تبحث عنهم لسؤالهم. وبعد أن تضع لك أهدافا تتواكب مع متغيرات السوق انطلق وتوكل على الله وستجد النتائج في أقرب وقت، لا تفكر بعقبة رأس المال لأن ما تملكه داخليا يتجاوز قيمة رأس المال مهما كان حجمه، ستعيش واقعا مختلفا يفخر به والداك وأهلك شرط أن تعمل بطريقة صحيحة ونموذجية وليست مجرد اجتهادات لا قيمة لها.

fares2232 @