د ب أ - لندن

قوة التنظيم المتزايدة فرضت على التحالف استئناف الهجمات الجوية على مواقعه

في ظل تركيز إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الوقت الحالي بصورة أساسية على عدد من القضايا الداخلية الملحة المختلفة، تتراوح ما بين حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة ومواجهة جائحة (كوفيد 19)، هناك قلق متزايد إزاء سعي عناصر من تنظيم داعش لاستغلال الموقف لإعادة بناء هياكلهم الأساسية الإرهابية في أنحاء الشرق الأوسط.

ويقول الكاتب البريطاني كون كوفلين: إن هناك دلائل متزايدة في دول مثل العراق، وأفغانستان، وليبيا، على أن قيادة داعش تسعى لأن تنهض من هزائمها الكارثية التي واجهتها في السنوات الأخيرة وتعيد من جديد بناء قوتها القتالية.

قوة جديدة

وأضاف كوفلين محرر الشؤون العسكرية والخارجية بصحيفة «تليجراف» البريطانية، وزميل معهد جيتستون الأمريكي أن الدليل الأكثر دموية على القوة الجديدة للجماعة في أفغانستان اتضح عندما اتهم المسؤولون الأمريكيون داعش بتنفيذ الهجوم الوحشي على مستشفى للولادة في العاصمة كابول والذي أسفر عن مقتل 24 شخصا، من بينهم عدد من الأمهات والأطفال حديثي الولادة.

وقال كوفلين في تقرير نشره مؤخرا معهد جيتستون إن حالات الفوضى التي تزداد عمقا في ليبيا نتيجة الحرب الأهلية الضارية هناك، أثارت أيضا المخاوف من أن جماعة داعش تسعى لاستغلال الوضع لإعادة بناء قوتها العملياتية في الدولة المحورية في شمال أفريقيا.

ولمواجهة مثل هذه المحاولة نفذت الطائرات الأمريكية المسيرة سلسلة من الهجمات العام الماضي ضد مواقع داعش في الصحراء الليبية، وما زال مسؤولو المخابرات الغربيون يشعرون بالقلق إزاء احتمال قيام الجماعة بزرع خلايا نائمة في بعض المدن الكبرى في ليبيا.

وحتى الآن يتمثل القلق الأكبر بالنسبة للمسؤولين الأمنيين الغربيين في احتمال قيام جماعة داعش بإعادة بناء هيكلها الأساسي في العراق، الدولة التي أعلن فيها زعيم داعش السابق أبوبكر البغدادي على الملأ إقامة ما يسمى بخلافته في يونيو 2014.

نشاطات إرهابية

وبحلول الوقت الذي لقي فيه البغدادي حتفه خلال عملية للقوات الخاصة الأمريكية في محافظة إدلب شمال غرب سوريا في أكتوبر الماضي، كان قد تم القضاء على تنظيم داعش نتيجة الحملة العسكرية الفعالة للغاية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، والتي أسفرت عن تدمير دولة الخلافة المزعومة.

ومنذ ذلك الوضع السيئ للغاية لداعش، رصد مسؤولو الأمن العراقيون عودة ظهور نشاط ترعاه جماعة داعش في العراق في الشهور الأخيرة، مع تركيز معظم النشاط في المحافظات الواقعة شرق وشمال بغداد. وفي شهر أبريل فقط، نجحت الجماعة في القيام بـ 108هجمات في العراق، بما في ذلك هجوم على مقر للمخابرات في كركوك. وفي مطلع شهر مايو الماضي قتل مسلحو داعش ما لا يقل عن 10 من عناصر الميليشيا العراقية في هجوم منسق على قاعدتهم في مدينة سامراء بوسط البلاد.

ويعتقد مسؤولو التحالف أن هناك أوجه شبه بين الأساليب التي تستخدمها جماعة داعش في نشاطها الحالي في العراق وتلك التي استخدمتها أثناء بداية حملتها في شمال العراق في عام 2013، والتي أسفرت في نهاية الأمر عن سيطرة الجماعة على مساحات كبيرة من البلاد.

ويقول مسؤولو الأمن العراقيون: إن عدد مقاتلي داعش في العراق يتراوح الآن ما بين 2000 و3000، من بينهم حوالى 500 من المسلحين الذين شقوا طريقهم إلى العراق بعد هروبهم من السجون في سوريا. وبالإضافة إلى ذلك، تواجه مقدرة قوات الأمن العراقية على التعامل مع تهديد داعش صعوبات بعد انخفاض قوة الجيش العراقي بنسبة 50 % في عدد العسكريين المتاحين نتيجة لجائحة كورونا.

ووفر هذا لداعش القدرة على تغيير مسار تركيز هجماتها من القيام بأعمال ترهيب محلية ضد مسؤولي الحكومة إلى القيام بمهام أكثر تعقيدا، من بينها شن هجمات بعبوات ناسفة بدائية الصنع، والقيام بعمليات إطلاق نار ونصب كمائن ضد عناصر الشرطة والجيش.

وأدت قوة داعش المتزايدة في العراق إلى أن تستأنف قوات التحالف الهجمات الجوية ضد أهداف الجماعة في البلاد. وفي الشهر الماضي نفذت الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية سلسلة هجمات ضد شبكة من الكهوف في شمال العراق كان مقاتلو داعش يستخدمونها كقاعدة لهم، وأسفرت الهجمات عن مقتل ما بين 5 و10 من الإرهابيين.

جائحة كورونا

ويقول كوفلين، إن مصادر الأمن الغربية تعتقد أن هناك عددا من العوامل تفسر عودة ظهور داعش في العراق. فبغض النظر عن استغلال نقص القوة العاملة في صفوف قوات الأمن العراقية بسبب جائحة كورونا، استغل قادة داعش أيضا الشلل السياسي الذي شهدته البلاد في أعقاب موجات الاحتجاجات الأخيرة ضد الحكومة.

ومن المؤكد أنه ينبغي أن تكون عودة ظهور داعش في العراق بمثابة جرس إنذار لإدارة ترامب، وهي تراجع الالتزام العسكري الأمريكي تجاه العراق في أعقاب تعيين رئيس المخابرات العراقية السابق مصطفى الكاظمي الموالي للغرب رئيسا للوزراء.

ويؤكد كوفلين أن سبب قدرة العراق على إجراء الانتخابات يرجع في المقام الأول للتضحيات الهائلة من جانب القوات الأمريكية وغيرها من قوات التحالف بعد الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين عام 2003، وهو إنجاز لا يمكن أن تسمح إدارة ترامب بالمساس به من خلال عودة ظهور داعش.