يوسف الحربي

في جميع ثقافات أمم الأرض قاطبة نجد أن الكتابة هي ما شكلت بداية التاريخ الذي نعرفه الآن عبر تدوينه وحفظه، وفي تاريخنا العربي كان للخط حظوة وعناية تطورت مع الزمن وصولا إلى عصرنا الحالي، حيث وجدنا إرثا وقيمة لخطنا العربي لا يدانيها أي خط آخر في بقية الحضارات، ومن هنا لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية الخط العربي ومداه التعبيري المؤثر وتطوّره واندماجه مع الحياة اليومية والحركة التشكيلية الحديثة والمعاصرة وهو ما يعنينا الآن، وبالتالي فإن الاهتمام به كإرث ومخزون وتراث وعنصر مميّز في الثقافة ليس من باب المواكبة بل من باب الحفظ والاهتمام والمتابعة والمسايرة التطويرية الحقيقية التي تجعله أحد أهم المميزات الجمالية التي كثيرا ما حفظت خصوصية المملكة الثقافية وهويتها العربية والإسلامية في العالم.

ومنذ بداية نشاطها ركّزت وزارة الثقافة في مبادراتها على الخط العربي بوصف العام خصص للاحتفاء به فنا وثقافة وروادا ومطورين وكتابا، ولعلنا من خلال عامي 2020 و2021 عامي الخط العربي، يمكن للجهات الداعمة والراعية بمساندة الجهات المعنية أن تضيء بالأفكار عن طريق البحث والاهتمام والرغبة في اعتبار الخط العربي مسارا حياتيا جماليا تشترك في تذوّقه كل الأجيال بمختلف انتماءاتها.

وهنا نتوقّف عند التنشيط الخارجي للمدن بتخصيص شوارع خاصة بالخط العربي وتسميتها بأسماء لفنانين لهم تأثيرهم العالمي في الخط والحروفيات والزخرفة والمنمنمات وكل الفنون الإسلامية مثل الخطاط ناصر الميمون، الحاصل على جوائز دولية في هذا المجال بالإضافة إلى تخصيص أنشطة مواكبة معاصرة قادرة على توظيف التكنولوجيا الحديثة في الخط العربي مثل الأضواء والفيديو والغرافيتي وتزيين المدن والاشتغال على الخامات المختلفة وتنشيط المعارض والورش وتخصيص مسابقات للهواة والمحترفين والمهتمين هدفها ربط الصلة بين الموروث والمستحدث والمواكب، إضافة إلى تخصيص حلقات للنقد والبحث وعرض أهم الدراسات في المجال وتخصيص مسابقات في النقد الفني تعمل كل عام على موضوع وتخصص له دراسة نقدية.

الخط العربي علامة بصرية حقيقية استطاعت أن تؤثر بشكل كبير على مسارات مدارس الفنون الغربية وتطويرها وبالتالي فإن التصميم الخطي والخط الرقمي وتنفيذ لوحات خطية لها رؤى وتصورات بصرية جديدة وابتكارية يعتبر خطوة مهمة العمل على توجيهها لاحتضان الأجيال الجديدة ودعمها للاهتمام أكثر بخصوصيات الفنون الإسلامية ومواكبات التطورات الجمالية العالمية في الفنون من حيث الأداء والتنفيذ.

ولعل العناية التي توليها وزارة الثقافة في الاهتمام بهذا المجال تستحق أن نفخر بها ونتعاون معها بشكل يحفّز على المواكبة والتطوير للمشهد الثقافي السعودي في نهاية الأمر.

yousifalharbi@