حسام أبو العلا - القاهرة

أنقرة تسعى للخروج من أزمتها الاقتصادية ودائرة أعمالها المالية المشبوهة

تسارعت وتيرة استنزاف تركيا للأموال الليبية من خلال خرق القواعد المصرفية المتعلقة بتقديم ضمانات على القروض، الأمر الذي يؤكد حقيقة استغلال الرئيس التركي أردوغان ضعف حكومة الوفاق التي تحكم العاصمة طرابلس، التي تهدر مكاسب البلاد من عائدات النفط لتمويل حربها الخاسرة.

وتسعى تركيا إلى الخروج بأخف الأضرار من أزمتها الاقتصادية من دائرة أعمالها المالية المشبوهة، عبر استغلال حالة الفوضى في ليبيا لفرض سياسة الأمر الواقع على حكومة الوفاق من بوابة خرق القواعد المصرفية المعمول بها دوليًا.

وثائق مسربة

وكشفت وثائق مسربة تداولها ناشطون في الشبكات الاجتماعية، الأربعاء الماضي، أن البنك المركزي التركي ألغى خطابات الضمان المصرفية الصادرة لصالح البنوك الليبية، في تحرك يعكس مدى إصرار أنقرة على استنزاف أموال الليبيين.

وتعود أطوار هذه القصة إلى عدة سنوات، لكنها بدأت تظهر من خلال عمليات التحكيم قبل نحو ستة أشهر لأن البنوك الليبية ستتعرض إلى مشاكل أكبر في حال لم تسترجع أموالها.

وعادة ما تعمل الضمانات المقابلة كضمانات إضافية من بنك إلى آخر، وإذا لم يتم اعتبار مصرف مقدم الطلب ضامنًا مقبولاً من قِبل المستفيد، عندها يمكن لمصرف مقدم الطلب أن يصدر ضمانًا مقابلًا لصالح مصرف آخر يقبله المستفيد من أجل ضمان خضوع الضمان الإضافي للوائح مصرف آخر مقبول.

حسابات أردوغان

ويؤكد محللون أن الرئيس رجب طيب أردوغان يسابق الزمن لتصفية حساباته المالية مع ليبيا مستفيدًا من ضعف حكومة الوفاق وحاجتها إلى أنقرة، ومن الصمت الدولي إزاء تدخلها العسكري المعلن في البلاد لدعم الميليشيات رغم حظر التسليح الدولي المفروض على البلد النفطي منذ 2011.

وتشير إحدى الوثائق إلى رسالة من المركزي التركي موجهة إلى جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية الليبي مع شركة تركية كانت قد نفذت في 2009 مشروع جامعة طرابلس يعلن فيها عن إلغاء خطابات الضمان المصرفية التركية لدى البنك العربي في إسطنبول.

وتتضمن الوثيقة قيمة العقد لتنفيذ ذلك المشروع البالغ 29 مليون دولار، ولكن لم ينفذ منه أي شيء، ما يعني أن أنقرة دأبت على تنفيذ عمليات مالية مشبوهة طيلة سنوات دون أن تواجه أي محاسبة.

وفي إحدى الوثائق تظهر المعلومات التي تضمنتها أن البنك العربي التركي وجّه مراسلة إلى المصارف التجارية الليبية يعلمها بأن المركزي التركي قرر إلغاء الضمان الصادر للمؤسسات المالية الليبية.

المصارف الليبية

ويعني هذا الأمر أن المصارف الليبية لا يمكنها أن تطالب بأموالها المودعة في النظام المصرفي التركي نهائيًا، وحتى إن لجأت إلى المحاكم فإن إجراءات التقاضي قد تستغرق سنوات وقد لا تحصل على تلك الأموال.

وقامت المصارف الليبية بإخطار المركزي الليبي، الذي تتقاسمه سلطة في الشرق وأخرى في طرابلس بهذه المراسلات، لكنه لم يتحرك حتى الآن، كما أن رئيس حكومة الوفاق فايز السراج لم يقم بأي تحرك في هذا الاتجاه حتى اليوم.

وقالت مصادر ليبية مطلعة: إن قرار المركزي التركي سيترتب عليه إفلاس البنوك الليبية التي تعاملت مع نظيراتها في تركيا لأن قيمة المبالغ بمليارات الدولارات.

وباتت المصارف الليبية في ضوء هذه التطورات ملزمة وحدها بدفع قيمة خطابات الضمان لعدة جهات ليبية نظير المشروعات التركية المتوقفة منذ العام 2011 إبان الإطاحة بمعمر القذافي ودخول البلاد في اضطرابات لا يزال الليبيون يدفعون فواتيرها.

مشاريع مشتركة

ولا توجد أرقام رسمية حول قيمة المشاريع المشتركة بين البلدين، غير أن البعض من الخبراء حددوا قيمة خطابات الضمان للمصارف الليبية بنحو 30 %، وهي قيمة تفوق قيمة رأس مال هذه المصارف ما يجعلها في حكم المفلسة.

وتتعقد هذه الأمور خاصة مع مطالبة الجهات الدائنة بقيمة تلك الأموال بعد أن حصلت على أحكام قضائية من محاكم ليبية تلزم المصارف بالدفع إليها لتنجو بذلك المصارف التركية من المشكلة.

واعتبر محللون أن خطوة المركزي التركي مخالفة للقانون الليبي، وكذلك للإجراءات المالية المعمول بها في عمليات الإيداع أو الإقراض بالنسبة للنظام المصرفي التركي.

إجراء غير قانوني

وذكرت تقارير نقلًا عن جمعية المصارف التركية قولها في بيان: إن هذا الإجراء غير قانوني كما أنه يخالف المادة 46 من الدستور التركي.

ويبلغ حجم الأموال الليبية المودعة في البنوك التركية قرابة 8 مليارات دولار، أربعة منها مجمدة منذ عهد القذافي والأربعة الأخرى ضختها حكومة الوفاق مؤخرًا في المصرف المركزي التركي.

وقال مظفر أكسوي رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي الليبي في يناير الماضي إن بلاده تعتزم توقيع اتفاق تعويض بقيمة 2.7 مليار دولار عن أعمال نفّذت خلال عهد القذافي.

وكان من المفترض أن يسددها الأخير قبل ثورة 2011، في مسعى لإحياء عمليات متوقفة لشركات تركية في البلد النفطي، الذي يعاني تحت وطأة الصراع المشتعل منذ سنوات.

ولم يتمّ الإعلان عن توقيع الاتفاقية حتى الآن، لكن مصادر مقربة من دوائر صنع القرار التركي تتوقع أن يكون صدور الأحكام القضائية بالتعويض خطوة تمهيدية لبناء الاتفاقية.