فارس المحيميد



شاب يافع لم يصل الرابعة عشرة من عمره، قام بتصوير فيديو له وهو يجادل عامل مطعم صغير، كان حديثا ضاحكا عارضا إذ يعتبر العامل صديقا له، وكلما خرج من المدرسة زاره قاصدا شراء بطاطس ونقانق. فجأة نال هذا الفيديو إعجاب أحد أصدقائه، فأرسله إلى أهله وهكذا بدأ الفيديو بالانتشار كالنار في الهشيم.

أيام معدودة بل ساعات أصبح فيها هذا الشاب مألوفا بين الناس، وأصدقاؤه المحيطون به في الحي والمدرسة يقدمون له أنهارا من كلمات الإعجاب والمديح، حتى اعتقد أنه مميز عن أقرانه. بعدها أصبحت الشركات تتلقفه للإعلان عن منتجاتها، ووصل به الحال عندما بلغ العشرين من عمره أن أصبح يقدم دورات عن صناعة الذات والطريقة الأسرع للنجاح، وسط تهاتف المحبين الذين يتابعون تفاصيل حياته ويومياته، رغم أنه يفتقد أبجديات التعامل مع أقل المواقف في الحياة، لكن مجتمعه صنع منه بطلا.

هكذا بدأ جزء كبير من المؤثرين رجالاً ونساءً في وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يشار إليهم بالبنان. هم ضحية مجتمع أوصلهم عنان السماء في يومين ووضعوهم في مجهر النجومية والتميز، بعد ذلك أصبحنا نرى ما يدمي القلب من تصرفات خارجة عن الذوق العام، والتي تظهر جانباً مظلماً عن المجتمع.

اللوم لا يقع عليهم، بل يقع على المجتمع الذي أعطاهم ما لا يستحقون، ثم يعود هذا المجتمع نفسه وينتقدهم ويعتبرهم شخصيات ساذجة. هذا التناقض واضح للعيان، حتى لو أنكره جزء كبير من مجتمعنا السعودي والخليجي. ينتقدون المؤثرين ثم يهرولون خلف إعلاناتهم، وهو ما يجعل التاجر يحقق مراده من الإعلان الذي ساهم في نجاحه المجتمع نفسه.

تلك الشخصيات والإعلانات التي ينالونها رزق من الله، لا منّة لأحدٍ غيره، لكن العائد على المجتمع هو أنه صنع شخصيات لا تمثل ثقافته ولا تستحق أن تكون بارزة فيه. هذا الأمر لا ينطبق على مجتمع لوحده، أبرز المجتمعات العالمية وأكثرها علماً وتقدماً تعاني من هذه المشكلة. السائد بأن المجتمع يعطي اهتمامه لمن هم بعيدون عن النخبوية في حياتهم، في أمريكا على سبيل المثال ترى راقصاً أو مغنياً لديه قضايا مخدرات والقيادة مخموراً، يتجاوز عدد متابعيه من غيّر العالم بابتكارات وبرامج تقنية.

فيما سبق كان الحديث عن الجانب المظلم في العلاقة بين المؤثرين والمجتمع. أما المضيء منه فهو يستحق أن نفرد صفحات من الشكر لوسائل التواصل الاجتماعي، التي أظهرت لنا شخصيات قدمت للمجتمع الفائدة والمعلومة والتجربة في مجالات شتى، لن أذكر اسماً بعينه لأن الأسماء عديدة وتحتاج إلى أن نعطيها الاهتمام الأكبر بدلاً من التافهين. هذا لن يكون إلا بتغيير اهتمامات المجتمع من متابعة شخص يتراقص يوماً، ويهين والدته في يوم آخر من أجل إضحاك المتابعين، إلى متابعة من يغدقون على المجتمع كماً من الإيجابية بحثاً وأملاً للتغيير نحو الأفضل.

لهؤلاء المؤثرين الإيجابيين أقول: أنتم صورة المجتمع النقية، والمحتوى الذي تقدمونه صنع فارقاً كبيراً في حياة الناس. إن كنتم ترون أن التافهين في المقدمة، فهي لحظات ستنقشع وسيكون المكان خالياً لكم، لأن المحتوى الإيجابي باقٍ ويتمدد وأثره يظهر ولو بعد حين، حماسكم رهاننا الذي لا يخسر، ويجب أن يكون إيمانكم بأنفسكم قوياً لا يتزعزع أمام محاولات المثبطين، فأنتم ثمرة يانعة سيجني المجتمع قطافها.

fares2232 @