فارس محمد الشمري

تشغل الآن مسألة إيجاد لقاح لوباء كورنا حیزا واسعا من الاهتمام العالمي والإعلامي حتى إنھا غدت من أھم دعائم النظام الدولي الجدید، ودلالة مميزة على تحضر شعوب الدول المتنافسة في ھذا المجال، وأن الضمير العالمي ليراقب باهتمام بالغ تطورات هذه المسألة التي تخص البشرية جمعاء، لذا كان من الضروري إيجاد نقاط التفاهم والتقارب بين الدول ووضع المنافسة الاقتصادية والسياسية وإثبات القوى جانباً.

إلا أن الفكر الأمريكي لديه معايير أخرى وهي لغة القوة التي تبلورت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي على شكل القطب الأوحد، فمن يمتلكها أولاً يمكن له بعد ذلك أن يمتلك ما يشاء من حقوق والتي أصبحت اللغة الرسمية لأمريكا، وأن علاقتها المتبادلة مع الدول قائمة في الأساس على تلك اللغة ولذا فهي تصاغ أحياناً باسم لغة المصالح.

ففي الرابع من يوليو عام 1776م تم التوقيع على مسودة وثيقة إعلان الاستقلال التي كتبها جيفرسون والتي وصفها (بالوثيقة الخالدة المعبرة عن الفكر الأمريكي). والتي جاء في مقدمتها «من الحقائق البديهية أن جميع الناس خلقوا متساوين، وقد وهبهم الله حقوقاً معينة لا تنزع منهم، ومن هذه الحقوق حقهم في الحياة والحرية والسعي لبلوغ السعادة، وكلما سارت أية حكومة من الحكومات هادمة لهذه الغايات فمن حق الشعب أن يغيرها أو يلزمها وأن ينشئ حكومة جديدة».

ولم يكن التاريخ الأمريكي يخلو من مخالفات صارخة لتلك الوثيقة وما حملته من قيم والتي ستظل وصمة عار على الجبين الأمريكي الذي سحق حقوق السكان الأصليين ومورست فيه التفرقة العنصرية حتى وقت قريب، وهو ما قام به الشرطي ديريك شوفين المتهم بقتل المواطن الأمريكي ذي البشرة السوداء جورج فلويد في مدينة مينيا بوليس، والذي تقوم اليوم المظاهرات بسببه في أكثر من ثلاثين مدينة إلى الآن، ما هو إلا دليل صارخ على تفشي سحق الحقوق الإنسانية وازدياد للعنصرية في المجتمع الأمريكي، فلم تكن حقوق الأمريكيين متساوية ولا النظرة في الحق في الحياة، على الرغم من ذلك نجد التدخل الأمريكي المستمر في شؤون الدول الداخلية بحجة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.

إن الفكر الأمريكي تناسى أهم مبادئه التي نشأ عليها وهو الحق في الحياة، فتوجهت الميزانيات إلى التسليح والنفوذ وإبراز القوى ولم توجه إلى الشعب الأمريكي وحقه الأسمى في الرعاية الطبية، والمساواة والعدالة الاجتماعية والتعليم، فقد زادت أعداد المصابين بفيروس كورونا بنسب خيالية في أمريكا عن بقية دول العالم، فتم خلع قناع القوة ليظهر الضعف بغياب واضح لمخرجات البحث الطبي، وتدهور للمسؤولية الطبية التي جعلت من العلاج مخصصا بفكر رأس مالي، وعدم الجاهزية وعدم الكفاية للمنشآت الصحية، والسؤال هل سيبقى هذا الفكر كما هو بعد انتهاء هذه الأزمة؟.

وأخيراً أفخر بانتمائي لهذ الوطن، فقد أثبت فكر وعمل حكومة خادم الحرمين الشريفين أن الإنسان أولاً وليس الاقتصاد والقوة أولاً، هذا الفكر الذي حل بمنزلة رسالة إنسانية ليس لشعب المملكة فقط بل لشعوب العالم أجمع، ورسالة تربوية للحكومات والمنظمات التي تتغنى بشعارات حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية.

@FarisLawksa