صالح بن حنيتم

ما زلت أتذكر ذلك العرض الجميل الذي قدمته إحدى المتحدثات في مؤتمر SHRM حول أهمية الموارد البشرية عام 2014، وكانت أول شريحة في العرض عبارة عن صورة لسيدة متقدمة في العمر بحالة رثة تحمل على ظهرها حاوية للنفايات، خيم الصمت على القاعة لثوان متسائلين عن علاقة الصورة بالعرض، وبعد أن تحدثت بددت الصمت قائلة، لولا هذه الإنسانة ما تعلمت ولم أنل شهادة الدكتوراة ولم أكن متحدثة أمامكم، إنها أمي، إنها قلبي النابض، حينها ضجت القاعة بالتصفيق لها ولوالدتها بل وقف أغلب من في القاعة احتراما لتلك الأم.

سؤال، كم عاملة منزلية في بلدنا لديها أبناء وبنات تغربت من أجلهم وغدا سيصبحون متحدثين ومتحدثات وأطباء ومهندسين وعلماء الخ... فهؤلاء السيدات التي فرضت عليهن ظروف المعيشة والعوز والفقر الابتعاد عن الأهل والأوطان جديرات أن نعاملهن بكل عطف وإنسانية كما حثنا ديننا الحنيف، قال عليه الصلاة والسلام عن الخدم: (هم إخوانكم. جعلهم الله تحت أيديكم. فأطعموهم مما تأكلون. وألبسوهم مما تلبسون. ولا تكلفوهم ما لا يطيقون. فإن كلفتموهم فأعينوهم) [صحيح مسلم] وفي مقدمة الإحسان عدم تأخير الرواتب ومراعاة عدد ساعات عملهن وخاصة في مثل هذه الظروف، حيث اختلف توقيت النوم واليقظة عند أفراد الأسرة.

عندما شاهدت بعض لقاءات المواطنين والمواطنات بعد عودتهم من البلدان التي كانوا عالقين فيها، كانوا يتحدثون عن صعوبة الوضع رغم كل ما وفرته الدولة من خدمات خمس نجوم، لكنها الغربة عن الأهل والوطن التي لا يعوضها شيء، فكيف بمن باعدت الحاجة بينها وبين فلذات الأكباد، وما يزيد الطين بلة كما يقال، قبل أزمة كورونا كانت الحياة طبيعية، فالأبناء يتجهون للمدارس والآباء وبعض الأمهات لأعمالهم، والآن كل أفراد الأسرة في المنزل 24 ساعة، وعلينا أن نتخيل كيف سيكون حال بعض هؤلاء العاملات، فقد تجمعت عليهن لوعة البعد وزيادة الجهد.

مهم أن نلتفت لمن حولنا لتلمس احتياجاتهم والإحساس بمعاناتهم، وعاملات المنازل اللاتي يعشن بيننا في أمس الحاجة لكل لمسة حانية، فلا نجعلهن على الهامش أو في خانة (النقطة العمياء) الله لا يعمي لنا بصيرة، ويجب الإحسان لهن دون التمييز في الدين أو الجنسية أو اللون أو العرق للعاملة المنزلية، هناك أمثلة إيجابية لا تعد ولا تحصى من المواقف الإنسانية في كيفية تعامل بعض الأسر مع العاملات، أكتفي بذكر مثالين، وأنتم لديكم العديد من القصص التي تكتب بماء الذهب حول رقي بعض الأسر في التعامل مع من يعمل لديهم.

أحد الكفلاء بعد أن عرف أن ابن عاملتهم المنزلية غير المسلمة يعمل في الرياض، تواصل مع كفيله وطلب منه السماح له بالسفر للمنطقة الشرقية على حسابه وكانت من أجمل المفاجآت للأم أن تلتقي مع ابنها، وآخر تحصل على صورة لأبناء عاملتهم من خلال حسابها في الفيسبوك، طبع صورة الأبناء على الكيكة وطلب منها أن تفتح الغطاء لتتفاجأ بصورة الأبناء، هل تخيلتم جمال تلك اللحظات وحلاوتها وهل تتوقعونها تنسى من ذاكرتهن؟

ونحن على أبواب عيد الفطر، فلا ننسهن بعيدية قد تكون هاتفا أو شرائح اتصال وغيره، وكل هذه المواقف الإنسانية ستخلدها ذكرياتهن وسيتعرف أفراد الأسرة والأقارب والأصدقاء عن بلدنا عن عاداتنا والأهم عن تعاملنا من خلال ما سينقلن عنا مما سيكون له الأثر الإيجابي الكبير في نفوس ذويهم، وهكذا نكون قد جعلنا لنا سفراء في العديد من الدول دون سفارات!

Saleh_hunaitem@