مها العبدالهادي - الدمام

اليد القطرية نسقت مع أردوغان لاغتيال الثورة وتسهيل تهجير الملايين

كان الموقف التركي ملتبسا طوال السنوات الأولى من الثورة السورية، فنظام أردوغان سهل مرور اللاجئين إلى بلاده وبنفس الوقت بدأ رجال مخابراته بالتجسس على الضباط المنشقين عن جيش الأسد، حتى وصل ببعض الحالات تسليمهم إلى مخابرات الأسد كما حدث مع القيادي الضابط المنشق حسين هرموش الذي سلمته مخابرات أردوغان لمخابرات الأسد، واخترق أردوغان قيادة الثورة السورية عبر الإخوان المسلمين الذين خضعوا بشكل كامل للأجندة التركية ضاربين عرض الحائط بمصالح الثورة والشعب السوري، إضافة للدور المشبوه الذي لعبته مخابرات أردوغان في تسهيل مرور المقاتلين الأجانب إلى سوريا للانخراط في تنظمي القاعدة (جبهة النصرة) و(داعش) الإرهابيين واللذين أجهزا على ما تبقى من الثورة السورية، وبمساعدة قطر استطاع أردوغان إجهاض الهياكل السياسية للمعارضة السورية عبر دعم الشخصيات التابعة لكلا النظامين للسيطرة على قيادة المعارضة.

انخراط بالحرب

وانخرطت تركيا بشكل مباشر بالحرب السورية ودخلت القوات البرية عام 2015، وكان دخولها استعداداً لعملية «درع الفرات» في عام 2016 التي أدت إلى كسب تركيا الموقف الروسي الراغب في جذبها تحت لوائه لصالحها، وتحقيق مصالحهما في سوريا. واستكملت تركيا إنشاء أول قاعدة عسكرية لها في ريف حلب شمالي سوريا في 2017، وتراجعت الحكومة التركية عن حدة موقفها من نظام الأسد في 2018 حيث كشف وزير الخارجية التركي مولود أوغلو، عن استعداد تركيا للنظر في العمل مع الرئيس السوري بشار الأسد، إذا فاز في انتخابات ديمقراطية، كما كشف نظام أردوغان أن مخابراته لم تقطع العلاقة مع نظام الأسد.

شراكة بالجريمة

مع بداية الثورة السورية بدا أن استخدام القوة المفرطة من قبل نظام الأسد ضد المظاهرات ومن ثم استخدام الطائرات والأسلحة الثقيلة ضد المدن، كان الهدف منه عمليات تهجير على نطاق واسع استجابت له تركيا سريعا وفتحت بواباتها الحدودية على مصراعيها لاستقبال المدنيين الهاربين من بطش الأسد وقواته العسكرية الذين بلغوا الملايين، وهذا لم يكن يدرك معناه ومغزاه ثوار سوريا وقادة معارضتها الذين رموا بكل ثقلهم بالحضن التركي وإلى الآن، لكن وبالتعامل مع النتائج بات من الواضح لموثقي أحداث الثورة أن نظام أردوغان كان شريكا فاعلا في ما يحدث الآن من تغييرات ديموغرافية، خاصة مع إعلان نظام أردوغان أنه على استعداد لبناء مدن جديدة في الشمال السوري على طول الحدود مع تركيا وإعادة توطين اللاجئين فيها، لرسم خارطة ديموغرافية جديدة لصالح بلاده ونظام الأسد.

مصالح ضخمة

ويؤكد الصحفي اللبناني فداء عيتاني لـ «اليوم» أن دخول تركيا إلى سوريا كان من أجل مصالحها الضخمة، ويقول، في المقام الأول كان لديها حواجز وسنحت لها الفرصة أن تضعف سوريا كدولة مجاورة، ونفذت مجموعة المصالح المباشرة لها في سوريا مع الوقت عبر السير بمسار تصاعدي، فكلما تقدمت الثورة أو تعقدت الحرب في سوريا كانت تركيا تنفذ مجموعة بنود إضافية لمصالحها كونها الدولة الأكبر المجاورة لها، كتطوير الجنوب التركي على حساب الشمال السوري، وأضاف، توغلت تركيا بعدة أشكال في الداخل السوري عبر تفعيل مرور المقاتلين الأجانب «المجاهدين» أو عبر شراء بعض الألوية العسكرية وتدمير ألوية أخرى تابعة للجيش الحر، وحاصرت وعزلت الأكراد السوريين، واستغلت الأزمة السورية لحل معضلتها المزمنة معهم عبر التغيير الديموغرافي، وتم ذلك فعلياً، فتركيا ضربت منطقة عفرين وتتجه لمناطق أخرى تابعة للأكراد وتحاول الوصول إلى الشرق، كما أقامت منطقة عازلة على امتداد 30 كيلومترا داخل المناطق السورية، تخضع للأمن التركي، وهناك تجاذب بين تركيا وروسيا حول هذا الأمر، وعمدت تركيا على استغلال العامل الديني في الصراع بسوريا، وأطلقت وسائل إعلام باللغة العربية لنشر دعاية سياسية لها، ودعمت فصائل من الإسلام السياسي سواء إخوان مسلمون أو غيرهم طالما تتحرك وفق الأجندة التركية، وتصفية فصائل إسلامية أخرى أو على الأقل تصفية قياداتها في ظروف ملتبسة لصالح فصائل إسلامية أخرى.

استغلال السوريين

ولفت عيتاني إلى أن هناك أطرافا سياسية تدافع عن الدور التركي في سوريا، بينما تركيا ما زالت تبدع في استخدام الشعب السوري والقضية السورية بكل المجالات، مذكراً بأنها تستغل ملف اللاجئين السوريين على أراضيها، فتستقبلهم حينًا وتطلق عليهم الرصاص وتطعنهم بشكل مباشر عند محاولتهم العبور من سوريا إلى تركيا حيناً آخر، كما استخدمتهم لتعزيز اقتصادها خصوصاً في جنوب تركيا دون رحمة للاجئ السوري، وواجهت بهم الغرب، فأحيانا تفتح الحدود وأحيانا تستورد كميات من الزوارق وستر الإنقاذ؛ وذلك لتبيعها في الأسواق ليفهم المهربون أنه الآن مسموح بإخراج السوريين عبر البحر إلى الغرب، كما أنها تدعي أن الأموال التي دفعها الغرب لضبط عمليات اللجوء والهرب إلى الغرب أتت بثمارها، وأنها قمعت عمليات هروب اللاجئين.

دور مشبوه

المعارضة السورية والناشطون والقادة العسكريون وجدوا بتركيا ملاذا آمنا لهم مع بداية الثورة، وخلال شهور قليلة من عام 2012 كان الثوار قد سيطروا على منافذ الحدود مع تركيا التي لم تتردد في استقبال كل من أراد الخروج والإقامة، ووجدت المعارضة كل الترحيب منذ البداية من النظام التركي، وبدأت بتشكيل هياكلها التنظيمية سياسيا وعسكريا ضمن الحدود التركية وبدعم قطري مباشر كما أكد ناشطو الثورة، وحتى النشاطات الإعلامية سهلتها تركيا لناشطي الثورة، وكل ذلك كان بالتنسيق مع قيادات الإخوان المسلمين السوريين الذين سيطروا على العديد من مفاصل الأطر التنظيمية للثورة من المجلس الوطني الذي تشكل وأعلن من تركيا إلى الائتلاف إلى كافة التشكيلات التي اندثرت، وفي مرحلة لاحقة كان لتركيا الدور الأبرز في تشكيل الفصائل العسكرية فشكلت العديد منها على أسس عرقية ودينية ودعمت أخرى متشددة كجبهة النصرة امتداد تنظيم القاعدة في سوريا، وكانت اليد القطرية طويلة في التنسيق مع نظام أردوغان لترسيخ دور كبير لهذه المجموعة المتشددة التي لعبت الدور الأبرز في القضاء على الثورة السورية والقضاء على أطرها التنظيمية، سواء بملاحقة الناشطين أو اغتيالهم أو إجبار بعض الفصائل العسكرية على الانضمام لها، فيما أسست تركيا فصائل عسكرية خاصة وهي وحدات اعتمدت على أبناء الأقلية التركمانية إضافة إلى دعم الفصائل التابعة لإخوان سوريا.

ويشدد الصحفي اللبناني على أن الإدارة التركية للعملية السياسية السورية المعارضة لم تراع ولو للحظة المصالح الوطنية السورية أو مصالح المعارضين حتى، فكل ما اُقترح كان بفكر تركي وتنفيذ سوري وأموال قطرية، وقال: «نحن هنا نتحدث عن الجانب التركي فقط حيث إن هناك أيدي قطرية متورطة، وكل ذلك ضد مصالح الشعب السوري، وكانت الأفكار الرئيسية تركية، وأدير الملف بأحسن ما يكون للمصلحة التركية وأسوأ ما يكون لمصلحة الشعب السوري».

تسهيلات لداعش

ونظرا لامتداد الحدود السورية التركية على طول 800 كيلومتر فقد كان لتركيا الدور الأبرز في دخول السلاح والعتاد والرجال (المقاتلين الأجانب) إلى تنظيم داعش الإرهابي بعد أن دخل من العراق واجتاح ما يقارب نصف مساحة سوريا عام 2013 وأعلن مدينة الرقة عاصمة لدولته المزعومة، وكثير من الناشطين السوريين رصدوا ووثقوا فتح الحدود التركية وبإشراف قوات الدرك «الجندرمة» التركية أمام انتقال الإرهابيين بكلتا الجهتين إضافة إلى عبور أرتال من السيارات التي استخدمها التنظيم في عملياته العسكرية، كما أن جميع المقاتلين الأجانب عبروا الحدود تحت سمع وبصر وإشراف من «الجندرمة» باتجاه سوريا لينضموا إلى تنظيم «داعش»، كما وثق الناشطون السوريون عمليات بيع النفط من «داعش» إلى التجار الأتراك وغيرهم، إضافة إلى عمليات تهريب الآثار التي عمل عليها تنظيم داعش من العراق وسوريا وكلها عبرت عبر الحدود التركية.

ويرى عيتاني أن اجتياح الجماعات الإرهابية لسوريا لم يكن سيحدث لولا الدور التركي الذي سهل وفتح الباب لهم للتوغل في الأراضي السورية، فتساءل كيف تم تسليم حلب للمجزرة التي حصلت فيها فقط من أجل دخول تركيا؟، وأضاف إن الإدارة العسكرية التركية شجعت الإخوان المسلمين وجبهة النصرة وتهاونت معهم، ومن خلالهم مرت مرحلة تشجيع «داعش»، وعدم إغلاق الطرق أمامها، والموافقة على تبادل الرهائن الأتراك، مقابل أسلحة لـ «داعش».

خيبة أمل

اعتمدت معظم الفصائل العسكرية السورية من المعارضة المسلحة على تركيا منذ بداية العمل المسلح ضد النظام عام 2012 على البوابة التركية، وسهل نظام أردوغان عمليات تهريب السلاح عبر الحدود للمعارضة بكميات كبيرة نسبيا مع بداية العمل المسلح ضد نظام الأسد، لكن ما لبث أن عاد نظام أردوغان عبر مخابراته والمسؤولين عن تمرير السلاح إلى التحكم به وضبطه للتحكم بهذه الفصائل والسيطرة عليها وهذا لم يكن بعيدا عن التنسيق مع واشنطن وتل أبيب كما أكد الناشطون السوريون، الذين يعتقدون أن تركيا ساهمت إلى حد كبير بضبط إيقاع الحراك المسلح بحيث لا يتجاوز حدودا معينة، وأن يصل إلى إسقاط النظام الذي تتمسك به كل من واشنطن وتل أبيب، وبحسب العديد من مصادر الثورة فنظام أردوغان كان له الدور الأكبر في لجم الثورة وتقييد حركة الضباط المنشقين، وتقييد حركتهم ووضعهم في معسكرات ضبطت حرية حركتهم إلى الداخل السوري.

ويقول عيتاني: إن الفصائل المسلحة في الداخل السوري، والمعارضة السياسية خارجها، كانوا تحت أمرين، الأول قصور في الإمكانيات، حيث لم تكن جاهزة ذاتياً للقيام بأي خطوة مستقلة عن الدعم الدولي، وثانيا رغبة التصديق بوجود مساعدة حقيقية إنقاذية تسمح لهم بتغيير النظام، وذلك ما لم تجده تلك القوى من السياسة الدولية في إدارة أزمتهم، فتعرضت القضية السورية إثر ذلك للخديعة من المجتمع الدولي.

لا انسحاب

وبسؤال عيتاني عن احتمالية انسحاب تركيا من سوريا قال: «من يعتقد أن تركيا ستخرج يوما من الأيام من سوريا فهو مخطئ»، وقال إنها ربما تبدل وجودها، كأن تتحول إلى وجود مقنع، أو بالواسطة، أو عبر أطياف تابعة لها مثل الإخوان المسلمين أو الأقلية التركمانية أو غيرهما، وأضاف إن تركيا ستواصل سياستها تجاه سوريا، وستضعفها أكثر، وستبقى في النهاية بالاتفاق مع الروس والإيرانيين، مع وجود تنافس بينهم، ولكن سيكون هناك توافق على النقاط الرئيسية. وأضاف، تركيا تقيم اتفاقا جديا مع روسيا، على الأقل بنقاطه الرئيسية، واليوم لا تزال تفاوض على تفاصيله، وترى في إيران مصدرا حقيقيا للدخل، بصفتها سمسارا دائما لتبييض العملة وتهريب الأموال الإيرانية في ظل العقوبات السابقة، مضيفاً، تركيا اليوم ترى إمكانية حقيقية للاستفادة المادية من إيران، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي بحاجة إلى مفاوضات جدية مع الإيرانيين حول تسوية الملف السوري. وأضاف: أما الشعب السوري فسيتم تشريده مجددا، ولن يعود اللاجئون السوريون من تركيا، فالأتراك أساسا غير مهتمين بعودة السوري لبلده.

أردوغان شريك الأسد في قتل السوريين والتغيير الديموغرافي

تركيا استخدمت اللاجئين لتعزيز اقتصادها والضغط على أوروبا

أنقرة حاصرت الضباط المنشقين ومخابراتها سلمت بعضهم لنظام الأسد