فهد سعدون الخالدي

التوجه نحو التعليم الإلكتروني توجه عالمي قطعت فيه دول كثيرة شوطا كبيرا، وسارت خطوات متفاوتة في الطريق إليه دول أخرى في العالم، حتى يكاد يقال إنه أصبح توجها عالميا غالبا في معظم دول العالم، ولم تتخلف عنه إلا دول قليلة لا تسمح إمكانياتها أن تحظى منه بحظ وافر، وهو يجيء على موازاة توجه عالمي للتحول الإلكتروني في كافة المجالات سبق جائحة كورونا التي تجتاح العالم هذه الأيام، والتي فرضت اللجوء إلى التقنية والعمل عن بعد في كافة المجالات ومن ضمنها التعليم. وقد استجابت للواقع الذي فرض التحول للعمل عن بعد الكثير من المجتمعات كل حسب استعداده وإمكانياته وقدراته، وخاصة في مجال التعليم حيث كشفت التجربة العديد من الإيجابيات والسلبيات وفرص التحسين الضرورية لتعزيز قدرة التعليم على مسايرة الظروف، وأداء دوره ومسؤولياته ليس في أثناء الأزمة فقط، بل القدرة على استمرار العمل بهذا النظام كلما أمكن ذلك حتى بعد انتهاء الأزمة - إن شاء الله-، أما في التعليم بالذات فليس المطلوب أن يبقى التعليم عن بعد تماما، وإن كان من الحكمة أن يكون جزئيا ومتوازيا للتعلم الصفي النظامي وداعما له، لكن الأهم من ذلك هو اعتماد التعليم الإلكتروني واستخدام الوسائط الإلكترونية بحيث يكون ذلك إستراتيجية في جميع الظروف والأحوال، وذلك يتطلب أولا حوسبة المحتوى التعليمي المعرفي والمهاري للمقررات، وكذلك التدريبات والتطبيقات وعمليات التقويم، علاوة على توفير البنى التحتية للمدارس وتطويرها بحيث تتوفر فيها شبكة الإنترنت وأجهزة الحاسوب والخادمات وقبل ذلك تدريب المعلمين والمعلمات على توظيف ذلك كله في عملية التعلم الذاتي للطلاب، وهي عملية ربما تكون كثير من المدارس قد قطعت فيها شوطا متفاوت الدرجات، وسبق فيها البعض البعض، خاصة في مدارس التعليم الأهلي التي اكتسب العديد منها خبرة جيدة في هذه المجالات، غير أن ذلك يبدو منتشرا في المدن والحواضر، وهو قليل أو شبه معدوم في مدارس القرى والهجر والبادية، مما يقتضي بذل الجهود لتلحق المدارس في هذه المناطق بغيرها ضمانا لتكافؤ الفرص بين الطلاب في كافة أنحاء البلاد. ربما تكون ظروف الجائحة كشفت العديد من الثغرات التي ينبغي تلافيها مما يسهل اتخاذ خطوات وإجراءات التحسين التي تتداركها، لكنها في نفس الوقت أوضحت أن لدينا العديد من القدرات والكفاءات والإمكانيات التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التحول الإلكتروني المنشود والنجاح في الوصول إليه، إضافة إلى التهيئة النفسية لتجربة جاءت في ظروف قاهرة، إضافة إلى أن ضرورة التجربة قد أضعفت مقاومة التغيير التي كانت موجودة لدى البعض على قلتهم قبل هذه التجربة، خاصة وأن الانطباع العام كان إيجابيا، وحقق أفضل النتائج، على أية حال فإن التحول الإلكتروني في التعاملات كافة وفي القطاعين العام والخاص آخذ في فرض نفسه عالميا، وهو في مؤسسات التعليم يطرح نفسه بقوة تفوق غيره من المجالات حتى إنه أصبح الخيار الوحيد المتاح، وهو الخيار الأكثر نجاحا مع الأخذ بالاعتبار أن مخرجات أفضل سيتم تحقيقها بالتأكيد حينما تتخذ الأسباب للعمل به في الظروف العادية التي تسمح بتهيئة المدارس والمقررات والمعلمين والمعلمات وحتى الأسر ليعمل الجميع في سبيل تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا التعليم الذي أضحى ضرورة تستجيب لرغبات وميول المتعلمين الذين أصبحوا يستخدمون الحاسبات والأجهزة الذكية في سن مبكرة، بل ويتفوقون في استخدامها على من هم أكبر منهم لدرجات مذهلة في كثير من الأحيان، ولا بد للتعليم المدرسي التقليدي أن يستجيب لهذا التحدي الذي يجعل المدرسة التقليدية أقل جاذبية، مما يجعل المتعلمين ينفرون منها ويتوجهون نحو ما يلبي رغباتهم ويتناسب مع قدراتهم التي تغيرت بالتأكيد عما هو الأمر عند من سبقهم وجيلنا منهم.

fahad_otaish@