سكينة المشيخص

على مر التاريخ لطالما كان رجال الدين في كثير من الأحيان، وخاصة في الحالات التي تشهد تشددا وتطرفا، حجر عثرة أو عائقا بين الناس ومعبودهم، وفي التاريخ الكنسي ومع ظهور كرسي الاعتراف وغيره من الطقوس العقدية ظل رجال الدين هم من يمنحون صكوك الغفران ولديهم تلك الصلة المتوهمة بالله فيجعلون كثيرا من البسطاء الذين يتعلقون بخالقهم يصدقون ما لدى هؤلاء من خصوصية أو بركات تتنزل عليهم وتمنحهم الحق في تمثيل الذات الإلهية، فيما ليس هناك أي نوع من الحواجز بين الله وخلقه أو عباده.

كثير من المفكرين فندوا تلك الصلات الزائفة بين رجال الدين والكهنوت والله، ولكن يظل الإحساس لدى العامة بوجود علاقة مباشرة بين رجال الدين والله يسيطر عليهم، لذلك يبدو تفكيك هذا الارتباط صعبا ولكنه ليس مستحيلا، فبعض الحوادث تكشف أن هؤلاء الرجال ليسوا سوى قلة منتفعة من أوهام الناس، وذلك ما فعلته جائحة كورونا حينما لم يستطع رجال الدين سواء في الفاتيكان أو إسرائيل أو الصين أو الهند، ونضيف إليهم إيران من فعل شيء، وذلك ما أعنيه بفك الارتباط بين رجال الدين والعامة فيما يتعلق بالمسائل الدينية.

ولعلي أتفق مع الباحث راز زيمت، الذي نشر تقريرا بموقع «ذا أتلانتك كاونسل»، أشار فيه إلى تراجع مكانة رجال الدين والمؤسسة الدينية في إيران بشكل كبير مع انتشار جائحة فيروس كورونا في البلاد، خاصة في ظل تزايد النزعة العلمانية في المجتمع، وهي نزعة مضادة لمبدأ وفكرة الدولة الدينية المتشددة التي لم تصل إلى تلك الحالة اليقينية والإيمانية الكفيلة باستقرار النفوس ومنحها الطمأنينة خاصة في أوقات المتاعب الكبيرة كما نشهده حاليا في كورونا.

ذات الأمر عصف بالفاتيكان معقل المسيحية حيث تعاني إيطاليا كثيرا من الجائحة، ولم يكن بمقدور رجال الدين ترويج أوهامهم الدينية وكف أذى الفيروس عن العباد من واقع عظيم صلات هؤلاء بالله، وعليه ذات الأمر في سياقنا الإسلامي ينطبق على كل المؤسسات الدينية، ولكن الحالة الإيرانية لها خصوصيتها من واقع الزعم المبالغ فيه في كثير من الأحيان فيما يتعلق بدور رجال الدين في التأثير على أحوال العامة، لذلك وحسب ما أشار تقرير زيمت هناك تضاؤل في ثقة الجمهور بالمؤسسة الدينية حيث كان للاعتبارات الدينية الإيديولوجية تأثير عميق على قرار السلطات الإيرانية تجنب إغلاق المؤسسات الدينية لمواجهة انتشار فيروس كورونا.

الآن ومن واقع نتائج جائحة كورونا والتعامل معها بسطحية كبيرة خاصة في مستهل انتشارها، ما أدى إلى آلاف الإصابات والوفيات، فلا بد وأن نشهد تراجعا في مكانة المؤسسة الدينية بشكل أكبر، وبالنظر إلى تزايد الروح العلمانية في المجتمع فمن المؤكد أن هناك تفكيكا قويا يحدث في الارتباط بين تلك المؤسسة ورجالها من جهة والمجتمع من جهة أخرى، لأن الناس حين تتدين وتتعلق بالدين بشكل كبير فإنها ترجو حلولا غير منظورة لمتاعبهم الدنيوية وحين يدعي رجال الدين بأنهم الوسيلة لذلك ثم يعجزون فإنهم يقعون في فخ الأوهام وتضعف مكانتهم ويرتد الناس إلى تراخ في احترامهم لمن كانوا يرشدونهم ويرونهم الوسيلة بينهم والقوى العليا، ولنا في الغرب مثال حيث لم يعد هناك كثيرون يجلسون في كراسي الاعتراف بل يحتقرونها ولا يرون أنها تحقق لهم الفائدة الإيمانية التي تجعلهم يشعرون باستقرار نفسي عميق يبحثون عنه فيما يعتقدونه، وذلك أيضا لم يفعله رجال الدين في إيران والآلاف يتساقطون بين مصابين يعانون المرض وضحايا يتم دفنهم في المقابر الجماعية.

@sukinameshekhis