عبدالله الغنام

ها نحن نعيش أيام الشهر الفضيل في فترة مختلفة من الزمن، فهي المرة الأولى التي يعيش فيها جيلنا وحتى الجيل الذي قبلنا شهر رمضان بحس حزين وبدون سماع أصوات القرآن تتلى في المساجد. تلك التراتيل التي كانت تعطر الأجواء، وتهدئ النفوس، وتطمئن لها القلوب. ولكن الظروف الحالية القاهرة تحتم علينا حفظ الأنفس والمجتمع من هذه الجائحة (فيروس كورونا المستجد).

وحتى مع هذه الظروف الاستثنائية التي نعيش سيظل رمضان يشعرنا بروحه وأجوائه المفعمة بالسكون والروحانية، والتي تميزه عن باقي شهور السنة، فهو شهر كله رحمة وغفران وعتق من النيران. ونستطيع أن نعيش أجواءه بالصيام وقراءة القرآن، والتقرب إلى الله بمختلف الطاعات والعبادات لاغتنام هذا الشهر الثمين والعظيم.

ولعلنا في هذه السنة وفي هذا الشهر، نغتنم الفرصة مع قلة التنقل ومنع التجول الجزئي للتخفيف من الأكل والشرب! وأن نستغني عن الكثير من أصناف المأكولات والمشروبات التي- للأسف- تعودنا عليها في كل سنة. وهي أيضا فرصة للمحافظة على الصحة مع قلة الحركة بتقليل الطعام مع طول البقاء في المنزل بدون حركة أو رياضة. ولا نحتاج كذلك أن نتزاحم في الأسواق والمجمعات التموينية لشراء كل نوع وشكل، فهذه الظروف التي نعيش فيها ورمضان سيساعدان على تخفيف الأوزان والتغيير بعضا من العادات! والأهم أنها راحة للمعدة والجسم من كثرة الأكل! وصدق طبيب العرب الحارث بن كلدة حين قال: المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء!

ومن فوائد بقائنا في منازلنا خلال هذا الشهر وجود المتسع من الأوقات لنقضيها ما بين الصلاة وقراءة القرآن، وقراءة الكتب النافعة التي تتعلق برمضان وفوائده، وكذلك الكتب المتعلقة بالقرآن وآدابه، وقصصه وأحكامه. يقول الشيخ الأديب علي الطنطاوي -رحمه الله- في وصف هذا الشهر: «وإن كان العمر كله للجسم فهذا الشهر للروح، وإن كانت الدنيا للتناحر والخصام فهذا الشهر للحب والوئام».

وطبيعي أن ينشط الناس للخير في شهر الخير لمساعدة المحتاجين بالطعام وبذل المال، حيث أصبح الأمر ميسورا للوصول لهم عن طريق القنوات الرسمية للجمعيات الخيرية (أونلاين) حيث ساعدتنا التقنية الحديثة في هذا المجال بطرق شتى وعبر مواقع إلكترونية متنوعة، وتطبيقات مختلفة. وكذلك يمكن بذل الوقت والجهد لمساعدة الناس عبر المنصات والمواقع والجمعيات التطوعية المسجلة رسميا.

ومن فوائد رمضان هذه السنة أن تواصلنا مع الأقرباء والأصدقاء صار أسهل عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي. وقد كان البعض منا في السابق يتكاسل عن التواصل بسبب بعد المسافة أو الانشغال بالظروف الحياتية، وأما اليوم فلا يوجد عذر عن الاتصال بهم بطرق متنوعة وسهلة من خلال قنوات الاتصالات الكثيرة والتقنية الحديثة.

ولا شك أننا جميعا نفتقد في هذ الشهر مشهد الاكتظاظ في المساجد بعد الصلوات من أجل قراءة القرآن الكريم، تلك الصورة كانت معبرة وفيها روحانية عالية، فذلك كان هو الطابع العام لأن القرآن ورمضان كرفيقين لا يفترقان. ولكن نستطيع اليوم أيضا أن نعطر أسماعنا وبيوتنا بقراءة القرآن، فكله نسمات من البركات والرحمات. وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام.

ورمضان هو- بلا ريب- شهر الإرادة، فذلك هو شعاره الدائم، وعنوانه الرئيسي عبر مختلف العصور. وقد قال المفكر والأديب عباس محمود العقاد -رحمه الله - في هذا الشأن: «ومغزى ما تقدم أن الصيام بكل نوع من أنواعه وفي كل درجة من درجاته وسيلة تقرير الذات لا يستغنى عنه أحد في مزاولات الحياة ولا بد لنا منه في كثير من الأحيان للشعور بما فينا من علو على الجماد المسخر واستقلال عن تيار الضرورات».

وأبواب الخير في رمضان كثيرة ومفتوحة، سواء في زمن كورونا أو في غيره من الأزمان، ولكن المهم هو الهمة والإرادة.

abdullaghannam@