أ.د. خالد إبراهيم الدغيم

يختلف مفهوم الأزمة وإدارتها، وتتعدد تعريفاتها تبعا لمجالها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والصحي، كما تتباين تبعا لنوعها وخصائصها وأسبابها وسبل إدارتها، غير أن مما يتفق عليه أن معظم الأزمات التي مرت على البشرية ارتبطت بالكوارث سواء الطبيعية منها أو تلك الناتجة عن الإنسان، فالأمطار الغزيرة والسيول، والرياح والأعاصير والعواصف الشديدة، والزلازل والبراكين المدمرة، والانهيارات الصخرية، وانهيار المباني والسدود، وانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، والحروب وآثارها، جميعها من الكوارث التي تنشأ عنها أزمات تتطلب حسن إدارتها من خلال اتخاذ كافة التدابير والسبل المناسبة لحماية الأرواح وتوفير السلامة وحماية الممتلكات العامة والخاصة. وعلى الرغم من أن المملكة ضمن خمس دول تعد الأكثر أمنا من مخاطر الكوارث الطبيعية، حيث تصل نسبة التعرض للكوارث فيها إلى 1.14% حسب تقرير المخاطر العالمية للعام 2016 الصادر عن جامعة الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري، إلا أن الكوارث وبالأخص الطبيعية منها تعد سنة من سنن الله في الكون تمضي على جميع الأمم والشعوب والمجتمعات دون استثناء، غير أنها تتنوع وتتفاوت بناء على عوامل مناخية وجوية، وجيولوجية، وجغرافية، ونشاط صناعي وحضاري.

وخلال العقود الماضية انحصرت الكوارث الطبيعية في المملكة في الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة والعواصف والعوالق الترابية التي تنعدم فيها الرؤية الأفقية، والتي نجحت حكومتنا بجميع مؤسساتها في إدارة الأزمات الناتجة عنها على جميع الأصعدة، وتعد الأزمة الحالية التي يشهدها العالم بانتشار (COVID-19) إحدى أبرز الأزمات التي تعرضت لها المملكة خلال السنوات الأخيرة، وقد نجحت بإدارة هذه الأزمة نجاحا مبهرا من خلال الإجراءات والقرارات التي اتخذتها في وقت مبكر، كان لها الأثر الكبير في الحد من انتشار الفيروس والتقليل من خطورته، كان أبرزها تعليق العملية التعليمية في جميع مراحل التعليم العام والجامعي والفني وغيرها، مع استمرارها من خلال الفصول الافتراضية عن بعد، بالإضافة لتنفيذ منع التجول الجزئي والكلي في مناطق ومحافظات المملكة والذي شمل جميع أفراد المجتمع، غير أن المتأمل لما تبثه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بين فينة وأخرى يلحظ بعضا من قلة وعي أفراد المجتمع بالتعامل مع الأزمة وما يصدر من الجهات الحكومية المختصة بإدارتها، كما نلحظ التباين والاختلاف في تأثير هذه الأزمة وتبعاتها على بعض أفراد المجتمع على المستوى السلوكي والنفسي والصحي والاجتماعي، يضاف لذلك ضعف إلمام الطلاب ومعرفتهم بنظام الدراسة عن بعد وآليات التعامل مع الفصول الافتراضية، ومع أن ذلك يتكرر ويلاحظ مع كل أزمة يتم اتخاذ إجراءات احترازية حيالها من قبل مؤسسات الدولة ذات العلاقة.

ومع تأكيدنا على أن هذا الدور مسؤولية مشتركة بين المؤسسات التعليمية والمؤسسات المجتمعية الأخرى إلا أن المؤسسات التعليمية من خلال ما تتضمنه مناهجها الدراسية بمفهومها الشامل من معلم ومقررات دراسية وأنشطة وقيادة وبيئة مدرسية في إطار ما تسمح به طبيعة كل منها، تستطيع أن تسهم بالنصيب الأكبر في تنمية الوعي بالمخاطر والكوارث الطبيعية والأزمات الناتجة عنها، ودور أفراد المجتمع في إدارتها وتدريبهم على ذلك، وتهيئتهم سلوكيا ونفسيا وصحيا واجتماعيا للتعامل معها، واتخاذ القرارات المناسبة في المواقف التي يتعرضون لها أثناء تلك الأزمات، وتزويدهم بالمفاهيم والقيم التي تنمي مسؤوليتهم الوطنية والمجتمعية بما يؤهلهم إلى التصرف بمسؤولية تجاه الأزمات وما يترتب عليها، وتربيتهم على نهج السلوك الإنساني القائم على التفكير الواعي بمصالح المجتمع، نذكر ذلك ونحن نعيش اهتمام وزارة التعليم بتطوير مناهجها وتحديثها بوصفها إحدى مبادرات رؤية 2030 التي تسعى إلى تطوير العملية التعليمية بجميع عناصرها.

مما لا شك فيه أن تبعات هذه الأزمة ستلقي بظلالها على جميع مجالات الحياة، وما نأمله أن تنال مناهجنا الدراسية نصيبها من التطوير بما يعزز من وعي الطلاب بمفهوم الأزمات وإدارتها.

kdgiem@qu.edu.sa