يوسف الحربي

من البديهي عند الرغبة في إنشاء تواصل معتبر مع ثقافة ما أن تكون البداية والمدخل عبر سبر أغوار إرثها الفني وما يعنيه ذلك من التعرف على نخبها في هذا المجال، وهذا أمر لا يكون إلا عن طريق التعرف بتوسع على الحصيلة الفنية التي تكون حاضرة من خلال وسيلة معيّنة، تقدّم تلك المعلومات بدقّة وتنظيم وترتيب زمني ورؤى مرحلية وتتبع إبداعي لكل منجز ثقافي مهما كان انتماؤه التعبيري.

ولعل هذا التصور هو الذي يستفز لطرح موضوع الحاجة الأكيدة علميا ومعرفيا لأرشيف يقدّم لرواد حركة الفن والثقافة في المملكة العربية السعودية، من خلال توفير مستودع للمعلومات له محرّك رقمي على شبكة الإنترنت يرتّب منجزات الثقافة السعودية وروادها في مختلف المجالات ليكون للباحثين والنقاد والمهتمين من ناحية، ومن ناحية أخرى تسليط الضوء على روّاد الثقافة السعودية وتاريخها الذي يُشهد له بالريادة والتألق والخصوصية في مختلف المجالات التعبيرية الثقافية.

إن مثل هذا المشروع والمعني بتشكيل أرشيف خاص بالرواد في مختلف الفنون والثقافة يكون مخصّصا للفنان بشكل شامل ومحدّد يستعرض تجربته، كما يمكن أن يكون بمثابة متحف وطني قادر على استيعاب ذاكرة من النشاط والتطوير والتجريب والمواكبة والبحث والابتكار والتفاعل، وبالتالي سيكون بمثابة ذاكرة وطنية للأفراد لها قدرة هائلة على أن تحمل الثقافة في صور ومشاهدات مقالات وكتب ومنجزات فنية ومراجع وسجلات موثقة.

وعندها لن يكتفي بتثبيت الذاكرة الثقافية والفنية والأدبية لأبرز التجارب السعودية الرائدة، بل سيدمج الطاقة الشبابية في البحث والتتبّع والتنظيم والاطلاع وتكثيف التصورات ونقلها ما سيخلق صلة وهمزة وصل بين الأجيال من حيث الاعتراف لها والتعرف عليها، ومن حيث نقل تجاربها وتمكينها من الانفتاح على العالم بمعلومات دقيقة منظمة ومرتّبة وفق آليات الأرشفة العالمية، سواء الرقمية أو من خلال المطبوعات التي توثق للرواد بكتب تشمل هذه الجهود الفردية.

إن التوثيق وأرشفة الفنون والثقافة في تجارب الرواد يرتبط بالتنمية والتطوير، لأن تنظيمها يدخل في إطار تكنولوجيا المعلومات والتعريف بالهوية الوطنية التي استطاع كل فنان ومثقف سعودي أن يقدّم من خلالها بصماته، مع التأكيد على خصوصيات تلك التجارب وتطوّرها المرحلي، فأرشيف رواد الفنون والثقافة هو تقديم رؤى جمالية لها قيمتها المعنوية ومسارها العلمي والمعرفي.

yousifalharbi@