د. عبدالوهاب القحطاني

تواجه البشرية هذه الأيام أزمة عالمية تعد من أقسى الأزمات الصحية منذ قرن، وذلك بعد أزمة الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت ملايين البشر في عام 1919م. أما بالنسبة لفيروس كورونا المستجد فإنه حتى لحظة كتابة هذه السطور قد أودى بحياة 74.808 أشخاص من إجمالي 1.349.584 مصابا بينما تعافت 286.655 حالة.

ستتخذ الحكومات وشعوبها قرارات مصيرية تؤثر على مجرى حياة البشرية في المستقبل في مجال الرعاية الصحية، بل سيكون هناك قرارات اقتصادية وسياسية واجتماعية جراء ما سببته هذه الأزمة. وعليه فإن الأزمة الصحية العالمية تستجوب سرعة التفاعل واتخاذ القرارات الصحيحة والحاسمة لمعالجة الوباء قبل استفحاله. ومما يزيد من تعقيدات هذه الأزمة الوبائية أنه لا يوجد علاج للمصابين حتى هذه اللحظة، إضافة إلى عدم توافر لقاحات للوقاية من فيروس كورونا المستجد.

غيرت الأزمة العديد من الممارسات الاعتيادية النمطية في اليوم الواحد، حيث أجبرت الأزمة الحكومات على إغلاق المؤسسات التعليمية والحكومية والخاصة والاكتفاء بالتعليم والعمل عن بعد. أما في الناحية الاجتماعية فقد ألزمت الأزمة الناس البقاء في بيوتهم وممارسة العزل الاجتماعي مما ساهم في رفع نسبة الاكتئاب حول العالم، إضافة إلى ذلك فقد ارتفعت نسبة العنف الأسري تجاه النساء والأطفال في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. وأرى أن الالتزام بالعزل الاجتماعي والبقاء في المنزل ليس خياراً بل أمرا حتميا لمكافحة انتشار المرض ليعود العالم إلى الممارسات الطبيعية من غير تهديد لحياتهم.

تفاوت تفاعل الدول الموبوءة من حيث إدارتها للأزمة ومشاركة الدول الأخرى بالمعلومات حول الفيروس. الحقيقة أن الصين التي ظهر فيها الوباء لم تقدم المعلومات الكافية التي بإمكان الدول الأخرى الاستفادة منها في التشخيص والوقاية، بل كانت تستغل الجانب السياسي لإظهار قوتها في التعامل مع الفيروس كما فعلت مع إيطاليا. إن للعولمة تأثيرا كبيرا في سرعة انتشار الفيروس وتحوله إلى وباء عالمي. ومن هذا المنطلق نجد أنه يجب على الدول التكاتف والعمل بمفهوم القرية العالمية الصغيرة ومشاركة المعلومات وتقديم المشورة لمكافحة الفيروس خاصة تلك الدول التي ليس لديها الإمكانيات المعلوماتية والمادية الكافية لمكافحة الوباء.

المثير للجدل أنه بدلا من تعاون وتكاتف الدول لتجاوز هذه الأزمة العالمية فقد بدأت بعض الدول في إخفاء الحقائق والتعمق في نظرية المؤامرة ومنها دول عظمى مثل روسيا، الصين والولايات المتحدة، ناهيك عن إيران التي تحشد شعبها لتصديق أن الفيروس كان موجهاً لها وتم تركيب الفيروس حسب جينات الشعب الإيراني للفتك بهم. وقد شهدنا تزايد الإشاعات حول الكثير من الأمور المتعلقة بالفيروس مثل مصدره وطرق انتشاره ومكافحته والعلاج منه.

لابد للعالم أن يستفيد من هذه الجائحة العالمية لعمل خطة استراتيجية للتعامل مع الأزمات الوبائية في المستقبل، بل لابد من دعم منظمة الصحة العالمية كما فعلت المملكة لتمكينها من عمل ما يمكنها عمله في مجال الأمراض الوبائية. دعم مراكز الأبحاث حول العالم للقيام بدراسات الأمراض الوبائية وغيرها من الأمراض المحتملة مسؤولية عالمية تساهم فيها جميع دول العالم بقدر إمكانياتها العلمية والطبية والمالية.

@dr_abdulwahhab