فهد سعدون الخالدي

المتتبع لمواقف المملكة خاصة في القضايا الدولية والإقليمية يدرك صواب هذا الموقف وسلامته، لسبب بسيط يتضح لكل من ينظر إلى هذه المواقف بتجرد وحيادية وموضوعية، ويجيء الموقف الحالي في موضوع إنتاج النفط وتحديد كميات الإنتاج للدول الرئيسة المنتجة من أعضاء أوبك ومن غيرها من الدول الأكبر إنتاجا للذهب الأسود وخاصة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.. هذا التحديد الذي يضمن المحافظة على الأسعار بالمستوى الذي يحفظ مصالح المنتجين والمستهلكين، كما يحافظ على الاستقرار الاقتصادي لدول العالم كافة، نظرا لأثر هذه السلعة الرئيسة في اقتصاديات العالم كافة من خلال أثرها في تحديد كلفة الطاقة اللازمة للإنتاج والتي تؤثر أسعارها في أسعار المنتجات كافة، أو أثر هذه الأسعار أيضا في تكلفة الخدمات ومشاريع البنى التحتية في دول العالم أجمع.

لقد كان موقف المملكة في قضية الأسعار دائما أكثر المواقف تأثيرا لموقعها القيادي داخل منظمة أوبك وثقة هذه الدول في قيادة المملكة لهذه المنظمة في المواقف الصعبة مثل الموقف الذي يواجهه العالم حاليا، خاصة وأن المملكة قد عودت هذه الدول أن تفي بتحمل الحصة الأكبر من تخفيض الإنتاج بما يحفظ التوازن بين العرض والطلب ما أدى إلى عقد اتفاقيات مع الدول المنتجة الكبرى من غير أعضاء أوبك، وفي مقدمتها روسيا، بحيث تتحمل كل دولة نسبة من التخفيض بما يحفظ مصالح الجميع.

الذين لا يعرفون سبب الأزمة الحالية ينبغي التوضيح أن هذه الأزمة نشأت من الموقف الروسي الذي صرح بعدم رغبته في تجديد الاتفاق المعقود مع أوبك، والذي يحدد حصص كل دولة من الإنتاج عند نهاية الاتفاق بنهاية شهر مارس الماضي، ونيتها العودة إلى مستويات الإنتاج قبل الاتفاق، ورفضها الموافقة على أي تخفيض للإنتاج، في سبيل المحافظة على الأسعار في المستويات التي كانت عليها قبل نشوء الأزمة، مما اضطر المملكة للعودة إلى نفس الموقف وهو زيادة الإنتاج، وهو موقف لم يؤد إلى تضرر المصالح الروسية فقط، بل وتضرر الشركات الأمريكية المنتجة للبترول من الزيت الصخري الذي تبلغ تكلفة إنتاج البرميل منه أكثر من ضعف الأسعار الذي انخفض إلى مستواها سعر برميل النفط نتيجة لهذا الموقف، وفي الوقت التي تستطيع المملكة تحمل هذا الموقف يكون إنتاج النفط في المملكة هو الأقل تكلفة، وهي قادرة، بزيادة الإنتاج إلى مستويات أعلى، على تعويض تدني الدخل بسبب نزول الأسعار، واقتناع الأطراف الأخرى وفي مقدمتها روسيا بضرورة العودة إلى التنسيق مع أوبك بقيادة المملكة في موضوع الإنتاج بما يعيد الأسعار إلى المستوى المعقول الذي يحفظ مصلحة جميع الأطراف.

لم يكن الأمر سهلا على روسيا لاتخاذ مثل هذا القرار، خاصة وأن إنتاجها في معظمه من آبار تقع في مناطق متجمدة، مما يعني أن إيقاف الإنتاج من هذه الآبار سوف يحتاج تكلفة عالية عند الرغبة في إعادتها للإنتاج مرة أخرى، ولذلك فقد قررت روسيا عدم تجديد الاتفاق مع أوبك ورفع الإنتاج إلى حدوده القصوى، وهو موقف لم يراع أية مصالح سوى المصالح الذاتية، مضحية بذلك بنتيجة سنوات من التعاون والتنسيق مع أوبك والمملكة، خصوصا في موضوع الإنتاج، ظنا منها أنها سوف تفرض موقفها من الإنتاج على دول أوبك، وفي نفس الوقت فإن الولايات المتحدة هي الأخرى لم تجد بدا من التواصل مع روسيا من جهة ومع أوبك من خلال قيادة المملكة من جهة أخرى للتوصل إلى حل يخرج به الجميع من الموقف الحالي بعد أن تجاوبت روسيا مع المساعي الأمريكية وأبدت رغبتها في العودة عن موقفها الذي أدى إلى الأزمة وموافقتها على التفاوض في مسألة تخفيض الإنتاج إلى المستويات التي تعود بأسعار النفط إلى المستوى المقبول عالميا مما صعد بالأسعار يوم الخميس الماضي بما يصل إلى نسبة مئوية تبلغ حوالي 33%، مما يؤكد أن التوصل إلى حل بين الطرفين والذي يبدو أنه ليس بعيدا سوف يحفظ التوازن في الأسعار ومستويات الإنتاج، وهو ما يؤكد أهمية دوام التنسيق والتعاون بين كافة الأطراف في استقرار الأسعار والعودة بها إلى ما يحقق مصالح الجميع.. وهو أيضا ما يؤكد صواب الموقف السعودي، وهي نتيجة لم تتحقق للمرة الأولى، بل لطالما أدت اختلافات سابقة في بعض المواقف الاقتصادية والسياسية إلى صوابية الموقف السعودي، وأنه يحقق مصالح المنطقة والعالم وليس مصالح المملكة فحسب.

الأمل معقود ليس بأن يصل الأطراف إلى حل سريع للأزمة الحالية فقط، بل وأن يدركوا جميعا أهمية الاستمرار في التنسيق والتعاون بين دول أوبك وروسيا وغيرها من الدول المنتجة خارج المنظمة، وعدم العودة إلى مثل هذه المواقف الخاطئة التي تتسبب في كل مرة في نشوء أزمات لا تقتصر آثارها على الدول التي تتخذها بل على دول العالم كافة.

fahad_otaish@