أحلام القحطاني تكتب:

ليس من السهل على من اعتاد الاستيقاظ باكرا للذهاب إلى عمله أو من كان يقضي معظم وقته خارج المنزل أن يتأقلم مع الوضع الحالي الذي نعيشه الآن، ولكن عندما يتعلق الأمر بقرار دولة ومصلحة عامة قد تخدم الجميع فإن السمع والطاعة تكون في المقدمة دوما، وهذا ما شهدناه من أبناء دولتنا والمقيمين فيها الذين ساهموا في تطبيق القرارات الاحترازية بكل ترحيب ووعي تام بضرورة الانصياع لكل ما قد يكون من شأنه درء هذا الداء والمحافظة على سلامة الجميع، فتعطيل بعض المصالح حتى تزول الغمة أهون بكثير من تعطيل الصحة والعافية التي قد تكلف الإنسان حياته فلا يعود لتلك المصالح نفع بعد ذلك، فكيف نخرج بأقل الخسائر ونستغل هذا الوقت الذي نقضيه داخل المنزل بأن لا نجعل الجغرافيا تتحكم في مدى الفائدة منه؟ فقد نعمل على فتح آفاق واسعة لم نكن لنراها لو كنا خارج أسوار ذلك المنزل !

لو أني طلبت من أحدكم أن يحدثني عن عمل قام به خلال هذه الفترة لم يكن ليعتقد بأنه فاعله واندهش من براعته فيه، فكم من مجيب !، كم من مهنة جديدة تعلمناها خلال هذه الفترة تحت مظلة «الحاجة أم الاختراع»، فمن كان ينتظر لساعتين أو أكثر حتى يأتي دوره ليحلق ذقنه في أحد الصالونات، أصبح لا يأخذ منه ذلك الأمر سوى بضع دقائق بعد أن «تعلم الصنعة»، وتلك التي كانت تقتات من المطاعم السريعة كونها لا تفقه شيئا في عالم الطبخ، استدلت طريق الطبخ أخيرا وأصبحت تتفنن في إعداد الأصناف المتنوعة. نعم..إننا في هذه الفترة نعيد اكتشاف أنفسنا أيها الأعزاء، كما أننا نعيش في الوقت المناسب لبدء ترتيب الأولويات وإعادة صياغة المهام بالشكل الذي يتواكب مع الوضع الراهن، فمن هجر كتابه الذي لم يكمله منذ أشهر عاد ليقرأه وانتهى منه في غضون ساعات وها هو يبدأ في آخر، ومن لم يجد الوقت للالتحاق بدورات تدريبية أو يشكو بعد المكان، ها هي قد أتت إليه في قعر داره، فلا حجة ولا مفر من أن نستخرج من وجودنا في المنزل الفرص الذهبية التي لم نكن لنحصل عليها لو كنا في الخارج.

تتيح لنا هذه الأيام مهلة التعرف على ذواتنا والتقرب من أبنائنا وأسرنا، فقد نصلح ما كسرناها أوقات الانشغال، ونلملم ما بعثرناه في الوقت الذي كنا فيه مبعثرين أيضا، حتى نعود إلى حياتنا الطبيعية بإذن الله من دون أن نكون قد أهدرنا من وقتنا الكثير بلا فائدة، فمثلما أن هناك جنودا بواسل على الحد الجنوبي وأبطالا بارعين على الحد الصحي، لنكن نحن أيضا أفرادا ملتزمين على الحد الوقائي، سواء كان ذلك على صعيد الالتزام بالتعليمات من الجهات المختصة أو تحويل «المحنة إلى منحة» من خلال استغلال الفرص.

11Labanda@