عبدالله الغنام

ما زال الحديث متواصلا عن موضوع فيروس كورونا المستجد فهو حديث كل ساعة ودقيقة. والأخبار متسارعة، والأرقام متلاحقة بعضها مشجعة والأخرى محذرة.

وفي أي أزمة نعيشها فهناك جوانب سلبية وإيجابية مهما كانت قوة تلك المصيبة وأثرها، وما قصة موسى والخضر عليهما السلام إلا دلالة على أن هناك إيجابيات لا نعلمها وراء كل أزمة. والشاعر يقول: وقد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم!

والحديث هنا يتركز على ظهور أزمات طبيعية كالأوبئة والزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها من الأحداث الكبيرة التي تصيب البشر من وقت إلى آخر. وفي مثل تلك الحالات على الإنسان أن يركز فيما يستطيع فعله لا على ما يتمناه ولا يستطيع عمل شيء بخصوصه. وكما قال المحاضر الشهير ستيفن كوفي في قاعدة (10/ 90) أن 10% من الأحداث لا يمكن السيطرة عليها، و90% هي ردود أفعالنا تجاهها. فالآن وقد انتشر فيروس كرورنا (كوفيد - 19) حول العالم، فردة أفعالنا (90%) هي لاحتوائه والوقاية منه ومنع انتشاره أكثر، بالالتزام بالإجراءات الصحية، وزيادة الحرص على النظافة الشخصية. وأن يأخذ المواطن والمقيم المسألة بجدية تامة، وأن يتبع التعليمات الرسمية لأنها القضية صحة البلاد والعباد وتلك من الإيجابية والوطنية، وهو واجب شرعي في حفظ النفس.

وللأسف فإننا في الغالب مع كثرة الأخبار نركز على الجوانب السلبية، ونكثر من تداولها وحينها يشعر الإنسان بالقلق والخوف الزائد عن الطبيعي، بينما لو ركزنا على الأرقام الإيجابية لكان خيرا لنا. ولذلك التثقيف والتوعية عن الفيروس من المصادر الرسمية والموثوقة هو بداية طريق الوقاية منه. وصدق من قال: الجهل شر الأصحاب، وهذا ينطبق على تصديق الشائعات وتتبع الأقوال غير العلمية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن الإيجابية والوطنية أن يساهم القطاع الخاص بفعالية بتوفير ما تحتاجه البلاد من المستلزمات الطبية والوقائية والغذائية، وألا تُستغل الظروف الراهنة بالجشع المادي. والوقوف مع القطاع العام جنبا إلى جنب بدعم ما ينقص السوق من تلك الاحتياجات.

ومن الإيجابيات في مثل هذه الأزمات أن يغذي الإنسان الجانب الروحي والارتقاء في سلمه حيث هو الملجأ الذي يركن إليه الإنسان في مثل هذه الأوقات الصعبة، وصدق الله سبحانه وتعالى حين قال: «فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا».

ومن الملامح الحسنة للأزمة الراهنة تكاتف جميع أطياف المجتمع والارتقاء بالمسؤولية من أجل مصلحة المجتمع والوطن.

ومن الإيجابيات أيضا استخدام البدائل التقنية والحلول الحديثة للعمل عن بعد. ومنها قضاء أوقات أكثر مع العائلة، وهذا جانب آخر غفلنا عنه بسبب الرتم السريع للمدن الحديثة حيث أصبحنا نقضي أوقاتنا خارج البيت أكثر من داخله.

وفي الابتعاد عن الزحام عزلة للنفس ومراجعة للخطط والأهداف بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية والروتينية. وللعزلة فوائد أيضا، فحين اجتاح الطاعون لندن خرج نيوتن إلى الأرياف، ومنها أخرج لنا قوانينه الثلاثة الذهبية التي غيرت وجه الفيزياء والعالم. وقد قال الروائي الأمريكي أرنست همنغواي: «العزلة وطن للأرواح المتعبة».

وعند مثل هذه الأزمات التي تجتاح العالم لم يعد من أولوياتنا ماذا نلبس؟ أو ماذا نركب؟ وتصبح الكماليات آخر اهتماماتنا بعد أن كانت هي الأولى لدى البعض! واليوم أصبحت الصحة والعافية هي المطلب الأول لنا ولأهلينا. وتلك الحقيقة غابت عنا كبشر وحجبت بسبب زخرف الحياة وحلاوة التكنولوجيا. وقد ‏جاء في الحديث النبوي: «سَلوا اللهَ العفوَ والعافية، فإنَّ أحدًا لم يُعْطَ بعد اليقينِ، خيرًا من العافية».

ومن المهم أن نمتلئ يقينا بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: «ما أنزل اللهُ داءً إلا أنزل له شفاءً علِمَه مَن علِمَه وجَهِله مَن جَهِله».

وباختصار شديد، الإجراءات الوقائية والمسؤولية الفردية ستقودنا بإذن الله نحو بر الأمان.

abdullaghannam@