د. شلاش الضبعان

ذكر أبو الحسن الماوردي في كتابه «أدب الدنيا والدين» أن الإمام الشعبي قال: «العلم ثلاثة أشبار، فمَنْ نال منه شبراً شمخ أنفه وظن أنه ناله، ومَنْ نال الشِّبْرَ الثاني صَغُرَتْ إليه نفسه وَعَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنَلْهُ، وَأَمَّا الشِّبْرُ الثالث فهيهات لا يناله أَحَدٌ أبداً».

في عالمنا اليوم، تتكاثر جماعة «أبو شبر» يقبعون في الشبر الأول علمياً، فلا يتمكن من إكمال دراسته لضعف قدراته، أو يأخذ الشهادة بطرق ملتوية فيلبس ثوب الزور، أو يكتفي بالشهادة العلمية، التي حصل عليها ولا يطور نفسه قراءةً واطلاعاً، ومع ذلك يرى نفسه الأعلم والأحكم بينما هو أضحوكة ولابد من السقوط المدوي يوماً.

نماذج «أبو شبر» واضحة للعيان مع شديد الأسف، فعندما ترى المعلم الذي يقدم بضعف ومع ذلك يتعاظم على طلابه ولا يتواصل معهم، فاعلم أنه من جماعة أبو شبر حتى لو قال وقال.

وعندما ترى الذي لا يتوقف في المجالس ومواقع التواصل عن الحديث والتوجيه والتحليل لكل شاردة وواردة بضعف وعدم إدراك للعواقب، فاعلم أنه من جماعة أبو شبر حتى لو جلس في صدر المجلس ونال أكبر عدد من المتابعين.

وعلى ذلك فقس.

مشكلة السيد «أبو شبر» أنه أضحوكة ويسبب الإحراج لمَنْ حوله وهو لا يعلم، ومشكلته أنه يصدّر مع قلة بضاعته فيقع ويوقع، وقد قال سهل التستري -وأتمنى أن تصل لكل «أبو شبر»- (مَا عُصِيَ اللهُ تعالى بمعصيةٍ أعظمَ مِن الجَهلِ، قيل: فهل تعرِفُ شيئاً أَشَدَّ مِن الجَهلِ؟ قال: نَعَم، الجهلُ بالجهلِ -الجهل المُرَكَّب-؛ لأنَّ الجهلَ بالجهلِ يَسُدُّ بابَ التَّعَلُّمِ بالكُليَّة، فَمَن ظَنَّ بِنَفْسِهِ العِلْمَ كيف يَتَعلَّم؟).

علامات العلم ليست بالألقاب وكثرة الكتابة والكلام، بل بالتواضع والطرح المفيد والعلم أنه ما زال طالب علم وهناك مَنْ هو أعلم منه، والحرص على تطوير القدرات وتطبيق ما تعلمه والتميز في استخدام العمليات العقلية الكبرى «التفكير، الاستنتاج، التقييم»، وإلا فالحال حال يستعاذ منها كما استعاذ الجاحظ في البيان والتبيين «اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْقَوْلِ كَمَا نَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْعَمَلِ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ التَّكَلُّفِ لِمَا لَا نُحْسِنُ، كَمَا نَعُوذُ بِك مِنْ الْعُجْبِ بِمَا نُحْسِنُ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ السَّلَاطَةِ وَالْهَذْرِ، كَمَا نَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ الْعِيِّ وَالْحَصْرِ».

@shlash2020