ترجمة - نورهان عباس

تأثيرات الفيروس على قطاع البيانات مرعبة ومستمرة

هل نظرية المؤامرة الأمريكية على الصين صحيحة؟ وهل يقف صراع المعلومات حقًا وراء إطلاق فيروس كورونا داخل الصين في ذلك التوقيت القاتل؟ ولماذا ووهان بالتحديد التي تُعدّ مقر أكبر شركات التكنولوجيا الصينية، كانت المدينة (صفر) للفيروس؟... أسئلة كثيرة طرحتها صحف ومواقع العالم في ربط صريح وواضح بين الأزمة الطاحنة التي تعيشها معظم دول العالم الآن، عقب انتشار فيروس كورونا القاتل من الصين، وبين الحرب التجارية ذات البطانة التكنولوجية، التي يتشكك الخبراء في وجود حرب أخرى جرثومية بداخلها، ليكون الفيروس بذلك بمثابة فقاعة كبيرة الغرض منها هو إحباط جهود الحكومة الصينية في السيطرة على سباق تكنولوجيا الجيل الخامس حول العالم، والذي أكد الخبراء أنه سيترك مقاليد الاقتصاد العالمي في يد مَن يفوز بهذا السباق.

وشهد العالم خلال الشهور الماضية صراعًا ضاريًا بين أمريكا والصين، حيث كان تطوير شبكات الجيل الخامس سببا رئيسيا في عدم التوصل لاتفاق يحد من وتيرة الحرب التجارية المشتعلة بين واشنطن وبكين، وبعد التوقيع على المرحلة الأولى من الهدنة الاقتصادية بين البلدين، في 15 يناير الماضي، اندلعت شرارة فيروس كورونا في نهاية ذلك الشهر، لتغلق الصين معظم مصانعها بحلول التاسع من فبراير السابق، بقرار حكومي عقب انتهاء إجازة السنة القمرية الرسمية بسبب الخوف من انتشار الفيروس أكثر من ذلك.

» قطار التكنولوجيا

من جانبها، تشير هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إلى أن الفيروس «أبطأ»، ويكاد يُشِلّ قطاع التكنولوجيا الصيني، أكبر القطاعات المولدة لعائدات في الناتج المحلي القومي للبلاد، خلال الخمسين يومًا الماضية، وتتوقع شركات في صناعات الأجهزة الإلكترونية والسيارات والمواقع الإلكترونية وتصنيع تقنيات الذكاء الاصطناعي وشبكات الاتصالات تراجعًا هائلًا في أرباحها هذا العام، يُعزى إلى عدم قدرتها على تشغيل مصانعها، ووضع أغلب العاملين بها تحت الحجر الصحي، أو إجبارهم على ملازمة منازلهم إلى حين إشعار آخر، مما سيؤثر بشدة على معدلات النمو في الربع الأول من العام الحالي لكل تلك القطاعات.

وقالت «بي بي سي»، على موقعها الإلكتروني: «انتشار فيروس كورونا يأتي في الوقت الذي يتجه فيه قطار الاقتصاد العالمي بسرعة نحو الثورة التكنولوجية وما توفره خدمات الـ 5G من إمكانات هائلة في كافة القطاعات، لا سيما الاقتصادية، في ظل تحوّل الاقتصاد العالمي نحو الاعتماد الرقمي. خاصة أن الصين كانت القائدة الفعلية لذلك القطار، بأكبر كم من إنجاز شبكات التصنيع في ذلك القطاع بواقع 60% من البنية التحتية المنجزة مقارنة بـ24% فقط لصالح الولايات المتحدة».

وتشير الشبكة إلى أنه خلال الأشهر القليلة الماضية كانت المنافسة حول «كعكة» شبكات الجيل الخامس العالمية محور الخلاف على مائدة المفاوضات الأمريكية الصينية، في الوقت الذي واصل عملاق التكنولوجيا الصيني هواوي Huawei تفوقه عالميًا على نظرائه من الشركات الأمريكية العاملة في مجال تكنولوجيا الجيل الخامس.

ونقلت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قوله: «لا أرغب في إجراء أعمال تجارية مع شركة هواوي لأسباب تخص الأمن القومي»، في إشارة منه إلى تأثير إنجاز الشركة الملموس في مجال الجيل الخامس على المنافسين الأمريكيين في القطاع ذاته.

وعلقت الشبكة على الأمر بقولها: «سواء كانت الولايات المتحدة تقف وراء انتشار فيروس كورونا داخل الصين بأي شكل من الأشكال أو لا، فالحقيقة المؤكدة الآن هي أن الصين لن تستطيع اتخاذ خطوة واحدة إضافية للأمام في هذا القطاع، طالما ظلت تأثيرات الفيروس موجودة».

» هواوي وكورونا

على الجانب الآخر، قالت مجلة إنترناشيونال بانكر الاقتصادية العالمية، في موضوع عَنونَه موقعها الإلكتروني بـ«الحروب التكنولوجية»، إن وثيقة سابقة لمجلس الأمن القومي الأمريكي، كشفت عن خشية الحكومة الأمريكية من تطوير الصين لهذه الشبكة؛ مما يعني تفوق الصين سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا في المستقبل، الأمر الذي دفع الحكومة الأمريكية إلى تعطيل تطوير هذه الشبكة من الجانب الصيني، وتبني خطط لتطوير هذه الشبكة لمواجهة التجسس الصيني.

وأضاف معلق الموقع: «في بداية صراع التجارة الصيني - الأمريكي ركّزت واشنطن هجماتها صوب هواوي عملاق التكنولوجيا الصيني؛ كونها الأكبر والأكثر ابتكارًا وتنافسية على المستوى العالمي، ولكن ذلك لم يؤثر بالقدر المطلوب على ما يبدو، والآن جاءت القشة القاصمة لظهر الاقتصاد الصيني بتغلغل وباء فيروس كورونا فيها، وتأثيره على كافة قطاعات الاقتصاد، لا سيما فائقة التقنية منها».

ولفت الموقع إلى أنه في منتصف مايو 2019، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدراج شركة هواوي تكنولوجيز الصينية العملاقة و70 شركة تابعة لها إلى «قائمة الكيانات»، وهي بمثابة قائمة سوداء تمنع الكيان الصيني من الحصول على المكونات التكنولوجية من الشركات الأمريكية دون موافقة الحكومة، كما اسُتبعدت شركتا هواوي وزد تي إي ZTE الصينيتان، اللتان تشتبه واشنطن بأنهما تقومان بالتجسس لصالح بكين، من صندوق تمويلات بقيمة 8.5 مليار دولار تديره هيئة الاتصالات الفيدرالية.

ولكن ذلك لم يبطئ خُطط هواوي لنشر تقنيات الجيل الخامس حول العالم، حيث أعلنت عن خطة لتصنيع مكونات معداتها في موقع بأوروبا، حسبما قال رئيسها ليانغ هوا Liang Hua في مقابلة مؤخرًا، بعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها.

وقال: «نخطط لتصنيع المكونات الخاصة بشبكات الجيل الخامس في موقع إنتاج في أوروبا مستقبلًا».

وعقب معلق الموقع على تلك التصريحات بقوله، إن الصراع مع هواوي بمثابة «انعكاس في المرآة» لأزمة كورونا، حيث تترك الأزمة تأثيرًا حيويًا مباشرًا على الشركة التقنية الصينية الأكبر.

» تأثيرات مرعبة

على الصعيد ذاته، علقت شبكة «سي إن إن» الأمريكية على التأثيرات المتوقعة من انتشار الفيروس على شركة هواوي الصينية بجملة «تأثيرات مرعبة»، وذلك في إشارة منها إلى أن نسب نمو الشركة والقطاع بأسره لن تتأثر هذا الربع من العام وحسب، وإنما سيمتد تأثيرها حتى بعد انتهاء الفيروس لفترة طويلة.

وأوضحت الشبكة الأمريكية، أن هواوي ستعاني خلال الفترات المقبلة كذلك من تقليص إعانات شبكات الجيل الخامس، والتي كانت تحصل عليها من الحكومة داخل الصين وخارجها على مدار العقد الماضي، وكانت تبلغ أقل من 0.3% من إجمالي إيراداتها.

وأضافت هواوي، خلال الشهر الجاري، في بيان لها للرد على ما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال: «مثل شركات التقنية الأخرى التي تعمل في الصين، بما في ذلك الشركات الخارجية، تتلقى هواوي بعض الدعم السياسي من الحكومة الصينية». وأكدت: «لكننا لم نتلقَ أي معاملة إضافية أو خاصة».

وفي هذا السياق، كانت صحيفة «وول ستريت جورنال» قد نشرت تحقيقًا يكشف عما قالت إنه دعم من الحكومة الصينية لمساعدة هواوي على النمو على مستوى العالم. وذكرت الصحيفة الأمريكية أن نحو 46 مليار دولار من دعم الصين لهواوي جاء من مقرضي الدولة في شكل خطوط ائتمان وقروض وغيرها من المساعدات، وهو الأمر الذي نفته الحكومة الصينية بشدة.

» معاناة صينية

من جانبها ركّزت مجلة ذي أتلانتك الأمريكية على النطاق الأوسع، كاشفة عن أبعاد المعاناة التي تتعرض لها كافة الشركات الصينية التي تتخصص في تصنيع شبكات الجيل الخامس بما فيها أبراج التوصيل والتقنيات والأسلاك الأرضية والأجهزة المدمجة، وهم يمثلون ما يصل إلى 13% من العاملين في قطاع التكنولوجيا الصيني، ويصبون جميعًا في مشروع هواوي الكبير لصناعة شبكات الـ5G وقالت: «بعد انتشار الفيروس فقدت الشركات الصينية كثيرًا من بريقها».

وحسب المجلة، أظهر تقرير صدر، مطلع ديسمبر 2019، أن شركة هواوي الصينية جاءت في المركز الأول عالميًا من حيث براءات الاختراع ذات الصلة بتطبيقات شبكات الجيل الخامس. ووفق تقرير صدر عن شركة أبحاث السوق الألماني أي - بليتكس I-Plytex، فقد تصدّرت هواوي القائمة بنحو 3325 براءة اختراع، تلتها شركة سامسونج للإلكترونيات التي قدمت 2856 طلبًا للحصول على براءة اختراع للمنظمات العالمية.

وفازت هواوي، في 12 ديسمبر الماضي، بعقد لتجهيز البُنى التحتية لشبكة اتصالات الجيل الخامس في ألمانيا، كما أعلنت هواوي، خلال شهر أغسطس من نفس العام، عن تدشين أول مصنع لها في أمريكا اللاتينية بالبرازيل.

وبحسب صحيفة تشاينا ديلي فإن مصنع هواوي Huawei المزمع إنشاؤه لإنتاج الهواتف الذكية التي تحمل العلامة التجارية الصينية في مدينة ساوباولو البرازيلية سوف تبلغ تكلفته 800 مليون دولار.

وقال موقع الصحيفة: «السلطات الأمريكية كانت تشعر بالضيق الشديد من تحركات الصين السريعة في السيطرة على تقنيات الجميل الخامس، فلطالما قادت الولايات المتحدة العالم في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، لكنها تأخرت بشكل سيئ في تطوير تقنية الـ 5G».

ولولا انتشار فيروس كورونا لكانت الهيمنة الصينية غير المحدودة على تكنولوجيا الاتصالات حول العالم ستتسبب في انتشار أنظمة الأمن والدفع الصينية بسرعة فائقة في العديد من البلدان، وتترجم إلى نفوذ اقتصادي وسياسي مستقبلًا، وقد يصل الأمر حتى إلى سيطرة غير مسبوقة.

» صراع مستمر

ووافق الصحيفة تقرير اقتصادي لمؤسسة راند كووبرايشين العالمية Rand Cooperation، والذي أكد بدوره أن الأمة التي تهيمن على تكنولوجيا الجيل الخامس ستجني العديد من المزايا الاقتصادية والعسكرية والسياسية في المستقبل. وبالتالي، إذا فشلت أمريكا في سد الفجوة، واللحاق بالصينيين في تلك الصناعة، فستكون العواقب وخيمة.

وقال التقرير: «الصراع بين أكبر اقتصادَين في العالم حول تقنيات الجيل الخامس لن ينتهي أبدًا، ولكن قد تتغيّر موازين القوى فيه بعد انتشار فيروس كورونا، حيث أصبح أمام واشنطن فرصة ذهبية لتصنيع تقنية الجيل الخامس بسرعة كافية وحماية المصالح الأمريكية الاقتصادية والسياسية».

وأضاف: «سيكون لقيادة الولايات المتحدة لتكنولوجيا الجيل التالي اللاسلكية تأثير هائل على الأمن القومي للولايات المتحدة واقتصادها».

» حياة أو موت

ختامًا، قال موقع وور أون ذا روكس، إن الصراع المكشوف بين أكبر اقتصادين في العالم بات يشكّل «معركة حياة أو موت»، حيث يمكن استخدام كافة الأسلحة للفوز به، وضمان التقدم لأحد البلدين.

وأشار الموقع، إلى أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين من جهة والسياسي بين أمريكا وروسيا من جهة أخرى، فتح المجال للعديد من الدول في الطموح بالتفوق على الهيمنة الأمريكية الاقتصادية على العالم، ومؤخرًا حاولت الهند السير على نفس نهج الصين، وكذلك فعلت كتلة الاتحاد الأوروبي بزعامة ألمانيا. ولكن الانحسار الاقتصادي الذي ظهر على الساحة العالمية بعد انتشار فيروس كورونا جعل أغلب تلك الدول تتراجع، وفتح الباب على مصراعيه أمام الولايات المتحدة لتحقيق التقدم وفرض المزيد من الهيمنة مستقبلًا.