فهد سعدون الخالدي

رسمت رؤية المملكة 2030 الآمال والتطلعات التي تطمح بلادنا إلى تحقيقها في كافة المجالات، وكان للبحث العلمي باعتباره أداة مهمة لا يمكن أن تتم عمليات التطوير والتحديث في أي مجال في غيابها أو بمنأى عنها؛ فالبحث العلمي هو الأساس الذي تبنى عليه هذه الطموحات وهو الذي يرسم خارطة الطريق لمستقبل تطلع إليه القيادة والمواطن، وقد نصت الرؤية بوضوح أن في مقدمة أهدافها الارتقاء من مركزنا الخامس والعشرين في عام 2015 لنكون من أول 10 بلدان في مؤشر التنافسية العالمية في ميدان البحوث العلمية، وباعتبار الجامعات هي الحاضنة المفترضة ومراكز البحث العلمي، فقد حددت الرؤية الهدف وهو أن يكون تصنيف (5) جامعات سعودية على الأقل من بين أفضل 200 جامعة في التصنيف العالمي للجامعات. ويأتي ذلك كله انطلاقاً من كون البحث العلمي هو السبيل لزيادة قدرة المملكة التنافسية بين العديد من الدول، التي تعمل ليلاً ونهاراً للوصول إلى المراكز الأكثر تقدماً في التطوير والتحديث من خلال حجز مواقع متقدمة لها في ميادين البحث العلمي والتعليم الجامعي، نظراً للأثر الكبير والمباشر للأبحاث العلمية والجامعات في إنتاج المعرفة وإحداث التنمية في كافة المجالات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية، ومشاركة القطاع الخاص في تحقيق التنمية الشاملة للمواطن والوطن وهو ما يمكن أن تعززه البحوث وتساهم في تعظيمه علاوة على تحقيقه مستويات من الجودة تضمن التنافسية والتفوق، والجهود التي تسخرها الدولة في هذا المجال يتضح فيها التصميم على تحقيق ذلك كله، سواء بالتأكيد على كافة الجهات ذات الصلة على أن تضع هذه الأهداف في مقدمة اهتماماتها وسياساتها وخططها التشغيلية، أو من حيث تخصيص الموارد المالية التي تمكن تحقيق هذه الأهداف، حيث بلغت المخصصات التي وجهتها الدولة لتحقيق هذه الغايات خمسة مليارات ريال سعودي هي حصة برنامج دعم البحث العلمي والتطوير، علاوة على المخصصات الأخرى للموضوعات التي تدعم هذا البرنامج وتساعد على تحقيقه.

ولعله من المفيد أن نوضح الجوانب التي يشملها قطاع البحث والتطوير عالمياً لتتضح الصورة أمام القارئ، حيث إن ذلك يشمل عدد الأوراق العلمية المحكمة وحجم الإنفاق على البحث والتطوير وترتيب الدولة في مجال الابتكار، وترتيب مخرجات التقنية والمعرفة أيضاً في هذا المجال، إضافةً إلى موقعها في مؤشرات الابتكار والتنافسية العلمية وعدد طلبات براءة الاختراع وكذلك براءات الاختراع الصادرة فعلاً، إضافة إلى مؤشر (هـ) وهو مقياس على مستوى المؤلف الذي يحاول قياس كل الإنتاجية وأثر الاقتباس من الأوراق العلمية للباحث، ومع ذلك فلابد أن ننوه بأن الرؤية تعنى بهذا الجانب والارتقاء به، في الوقت الذي تشير فيه جهات الاختصاص وخاصة عمادات البحث العلمي كما أوضحت عمادة البحث العلمي لجامعة الملك سعود؛ إلى أن المملكة تقدم ثلث البحوث العلمية في الوطن العربي، كما أن المملكة أيضاً من بين الدول العربية الأكثر اهتماماً بتخصيص صندوق للبحث العلمي يهدف إلى تعزيز الإنفاق على البحث العلمي بشكل أفضل، إلا أن هناك اهتمامات لتحقيق الأفضل وخاصة في مجال نشر البحوث العلمية والاستفادة منها ورفع مستويات تميز البحوث العلمية والباحثين المميزين عالمياً من أجل تبادل الخبرات والانضمام للبرامج البحثية الدولية ذات الجودة، خاصة أن النشر العلمي هو بحق أفضل الأسس للتحول إلى اقتصاد المعرفة.. ومع ذلك فإن الإحصائيات تشير إلى أن حجم النشر العلمي في العالم العربي ما زال غير متناسب مع ما يتوفر لدولة من الموارد والإمكانات البشرية والمادية، مما يؤكد الحاجة إلى التقويم المستمر لحجم النشر العلمي في كل دولة من دول العالم العربي ومنها المملكة، وقياس مستوى جودة البحث العلمي وأثره على مستوى الجامعات، وتعميم سياسات وإستراتيجيات كفيلة بتجسير الهوة وردم الفجوات التي تحول بيننا وبين بلوغ المستوى الذي نتطلع إليه، وتحقيق الدور المنشود للبحث العلمي في التنمية الشاملة للمواطن والوطن.. ويجيء الحديث اليوم عن البحث العلمي بمناسبة الإشارة الهامة التي توضح الرؤية الثاقبة لولاة الأمر في هذا الوطن، وما ورد في كلمة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية -يحفظه الله- التي ألقاها في حفل التخرج الحادي والأربعين لطلاب جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام يوم الأربعاء الماضي والتي أشار فيها إلى اهتمام رؤية المملكة 2030 بالبحث العلمي، وما هيأته حكومة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد -يحفظهما الله- من إمكانات لقطاعي التعليم والبحث العلمي باعتباره ركيزة من ركائز التطوير والتحول المنشود.. ويأتي ذلك ليؤكد الإيمان بأهمية البحث والتطوير والعزم والإرادة على إعطائهما الأهمية التي يستحقانها، لا سيما ونحن نرى ويرى العالم معنا أن البحث العلمي والابتكار هو سر الريادة التي تتمتع بها أمريكا وأوروبا واليابان وكوريا وغيرها من الدول في المجال الاقتصادي مما يحفزنا على اللحاق بهذا الركب. ولم لا؟؟ ونحن نملك -والحمد لله- الموارد البشرية والإمكانات المادية والعزم والإرادة والشباب والإيمان قبل ذلك بعون الله وقدرته وفضله؟؟.

fahad_otaish@