سكينة المشيخص

يبدو أن العالم لا يزال يعاني من انتقاص مريع في حقوق المرأة، وأنه لا بد من مزيد من الجهد والخطوات في مشوار الألف ميل من أجل نيل العديد من الحقوق، وذلك أمر يتضح من خلال أحدث تقارير الأمم المتحدة الذي أكد أن العنف ضد المرأة لا يزال ليس فقط أمرا شائعا ولكنه مقبول أيضا على نطاق واسع.

وفي الواقع ذلك مؤشر على تخلف كثير من مجتمعات العالم وارتهانها إلى أعراف تقليدية لا تواكب مقتضيات العصر وضرورات التغيير، حيث تشارك المرأة من خلال عقلها وعلمها في بناء منظومة الحياة، ومع ذلك وبحسب التقرير فإنه رغم تحقق مكاسب كبيرة في مجال تعليم الفتيات، إلا أنه لم يتحقق سوى القليل في مجال إيجاد بيئة أكثر مساواة وأقل عنفا.

مدنية مجتمعات العالم وتقدمها تتحقق وتنعكس من خلال دور المرأة في الحياة العامة وممارستها حقوقها كمواطن في دولها دون أن تتعرض لأي عنف أو مضايقات في عملها أو وظيفتها أو حركتها، ولعل التقرير تحدث بصورة عامة فذلك من واقع أن العديد من مجتمعات أفريقيا وآسيا، وهي لها نسبة كبيرة في الخريطة البشرية لا تزال ترزح تحت ضغط التقاليد والأعراف القديمة التي لم يمر بها قطار التغيير والعصرنة.

مثل هذا التقرير وإن بدا مزعجا ومقلقا إلا أنه ليس بالضرورة أن يعنينا في أقطارنا، فنحن مضينا بعيدا في مجال الحقوق، ولكن لا تزال قضية العنف بحاجة إلى تشريعات وأنظمة ضاغطة على الفاعلين بحيث تكبح جماحهم وتردعهم عن العودة إلى مربع التخلف الحضاري الذي يجعل يدا تمتد إلى امرأة، أو لسانا أو قلما يسيء إليها، فذلك يتناقض في الواقع مع توجهات التشريع الديني والطبائع الإنسانية الفطرية التي تجعل الرجل يستقوى على المرأة سواء كانت زوجته أو أخته أو ابنته.

لا يمكن أن يكون الرجل سويا وهو يمارس العنف ضد المرأة تحت أي ظروف أو مبررات، وذلك مؤشر لنقص وقلة حيلة وعقل لا ينهى صاحبه عن سلوك يدمر ذاتا إنسانية، ويجعلها أكثر ضعفا، لذلك فلا حاجة لأن يؤكد الرجل نقصه وضعفه وقلة حيلته بالعنف ضد المرأة، وإن لم تصله رسالة توعية أو يعرف طريقا لفهم قانون أو نظام فهو أسوأ الرجال الذين ينبغي معاملتهم معاملة المجرمين.

من المهم أن تتخلص مجتمعات العالم من العنف ضد المرأة والطفل بشكل عام، فهذا سلوك بدائي وحيواني غير مبرر إلا بالتخلف الذي ينبغي معالجته لأنه لم يعد هناك متخلفون عن الركب الحضاري إلا في الغابات وأقاصي الصحاري وأعالي الجبال الذين يبقون خارج الإطار المعرفي، وربما لبعضهم عدم الجرأة على نسائهم كما تأتي به الأخبار من مجتمعات تعد نفسها متحضرة وأكثر وعيا ونبلا.

ولعل كل ذلك يصبح من الماضي مع محاصرة نقص الذين يعنفون المرأة، ويتعاملون معها بغلظة لا تستقيم مع معطيات الفطرة والنبل الإنساني، وحتى يحدث ذلك فإن النظام المجتمعي ينبغي أن يتشدد تجاه أولئك المعنفين؛ لأنهم في حقيقتهم أشد ضعفا من ضحاياهم وبحاجة إلى ما يجعلهم أكثر اتزانا وتصالحا مع الذات حتى لا يستمروا في إيذاء غيرهم، وذلك في خاتمة المطاف يعني مجتمعا أكثر سلاما وطمأنينة وعملا ومساواة لا يتم فيه أي تجاوز أو عكس مظاهر إجرامية سلبية على سلوك الأفراد لمجرد أن البعض يصدر منه مثل هذا السلوك الشائن.

@sukinameshekhis