رويترز - إدلب

ينطلق ضوء جهاز الإنذار على المدخل الرئيسي في مستشفى للولادة بشمال غرب سوريا، لتحذير العاملين، ليس لتنبيههم أن مرضى في الطريق إلى المستشفى، بل للتحذير من اقتراب طائرات حربية.

» صراع يومي

يواجه الأطباء في المستشفى صراعا يوميا، لرعاية الحوامل اللائي أشرفن على الولادة، وسط هجوم تشنه قوات النظام التي توغلت في عمق محافظة إدلب، وذلك في محاولة للقضاء على آخر معقل للمقاومة تحت سيطرة المعارضة التي تحارب نظام بشار الأسد.

وقال أفراد من الأطقم الطبية العاملة: إن المستشفى شهد زيادة ملحوظة في حالات الإجهاض والولادة المبكرة في الشهرين الأخيرين.

وقالت طبيبة لرويترز: إن بعض الأمهات الحوامل المقبلات على الولادة يصلن في حالة صدمة، بعد الخروج من البيت في حالة من الرعب، بسبب القصف وفي كل يوم يكتشف الأطباء وفاة أربعة أو خمسة أجنة في الأرحام.

وأوضحت الطبيبة إكرام (37 عاما)، وهي نفسها حامل في شهرها الثامن، «بالنسبة لي كانت المرحلة الأخيرة أصعب من كل المراحل».

» مليون نازح

لقد نزح ما يقرب من مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، عن بيوتهم منذ ديسمبر، هربا من الدمار الذي لحق بقراهم ومدنهم، الأمر الذي أسفر عما قالت الأمم المتحدة إنه أسوأ أزمة إنسانية في الصراع.

هؤلاء النازحون عانوا معاناة شديدة من ويلات الحرب واضطر كثيرون منهم إلى النزوح عدة مرات بسبب القتال وآل حالهم إلى التكدس في جيب صغير من الأرض تتضاءل مساحته بين قوات النظام الزاحفة من الجنوب والشرق والحدود التركية في الشمال، حيث يحول سور بينهم وبين عبورها.

وقد تصاعدت حدة القتال بشدة في الأيام الأخيرة لدرجة جعلت تركيا، عضو حلف شمال الأطلسي، وروسيا تقتربان من المواجهة المباشرة في سوريا.

» محبوسون ومستوطنات

بالنسبة لنحو ثلاثة ملايين سوري يتكدسون في محافظة إدلب أصبح عبور الحدود التركية إلى حيث الأمان حلما بعيد المنال.

يعيش مئات الآلاف في مخيمات على مرمى البصر من الجدار الحدودي الخرساني في طقس أصبح شديد البرودة في الأسابيع الأخيرة، حيث توفي خلالها ما يصل إلى عشرة أطفال وفقا لما تقوله الأمم المتحدة.

وعلى امتداد طريق طوله 30 كيلو مترا من الحدود إلى مدينة إدلب، تقع مستوطنات أخرى عبر بساتين الزيتون وحقول من الطين المصفر أو على أراض صخرية ناتئة.

يرجع بعض هذه المستوطنات إلى سنوات الحرب الأولى، وأصبح الآن مدنا صغيرة من المساكن المبنية بالطابوق (الطوب)، غير أن مستوطنات أخرى خرجت إلى حيز الوجود في الشهرين الأخيرين.

» «يقصفونا ويفرقونا»

لم تجد حوالي 270 أسرة مكانا آخر تلجأ إليه سوى استاد رياضي في مدينة إدلب، حيث يعيش عدد كبير من أفرادها في خيام تحت مصاطب خرسانية امتزج فيها الدخان المتصاعد من النار التي أوقدها البعض للاستدفاء بها برائحة مخلفات الصرف الصحي.

وبعض الأسر المقيمة في الاستاد جاءت من أماكن بعيدة مثل المعاقل السابقة للمعارضة في شرق دمشق على مسافة 270 كيلومترا إلى الجنوب حيث نزحت منها قبل سنوات.

واضطر كثير من هذه الأسر للنزوح عدة مرات بفعل زحف قوات النظام المتواصل منذ 2015 عندما تدخلت روسيا لدعم بشار الأسد، وحولت الكفة لصالحه في الصراع.

ومن هذه الأسر صانع الأثاث رغيد المصري (38 عاما) وأولاده الأربعة الذين تم إجلاؤهم قبل ثلاث سنوات من بلدة سقبا شرقي العاصمة إلى محافظة حماة.

» ضياع الحلم

أفاد رغيد بأن الأوضاع في بلدته التي كانت تحت سيطرة المعارضة أصبحت لا تطاق قبل إجلائهم، وإن حصار قوات النظام جعل الحصول حتى على كيلو جرام واحد من الأرز مهمة صعبة.

وقالت شذا الديك (20 عاما): إنها وأبويها وأشقاءها وصلوا إلى المخيم قبل أسبوع واحد، مضيفة أن أسرتها اضطرت للهرب من قريتها كفر روما الواقعة جنوبي إدلب في أواخر العام الماضي جراء هجوم قوات النظام.

وقالت: «أخرجونا من بيوتنا للبرد، وانتقلنا من بيت إلى بيت»، وبعد الإقامة بمسجد في إدلب ثلاثة أسابيع انتقلت الأسرة إلى الاستاد.

وأكدت شذا: «يقصفونا ويفرقونا ولا أحد يساعدنا».

وتابعت: «ما كنت أتوقع أن تصل الأمور لهذا الوضع، في هذه الثورة فقدنا كل شيء، كنت أريد أن أصبح طبيبة وأن أدرس، ضاعت كل أحلامنا».