ترجمة - نورهان عباس

بين تهديدات شح المياه ونقص الأمطار ونزاعات الأنهار

خلال القرن الماضي شهد العالم العديد من حروب الذهب الأسود (البترول)، والذهب الأصفر المعتاد، ولكن القرن الـ21 يطل علينا بحروب من نوع جديد تماما وهي حروب (الذهب الأزرق)، حيث سيكون بطلها هذه المرة مجموعة من الخلافات على السدود والأنهار ومصادر المياه العذبة، التي قد تدفع العديد من دول العالم إلى الدخول في نزاعات دبلوماسية أو مسلحة حسب شدة النزاع ومدى قوة العلاقات بين الدولتين.. وفي هذا الصدد أفردت العديد من المواقع العالمية مساحات كبيرة للتحذير من خطورة حروب المياه خلال الـ100 عام المقبلة، التي تتراوح نسبتها حسب آخر الإحصاءات العالمية من 75 إلى 95 % في بعض الدول، ومن بين أبرز أطرافها عدد من الدول العربية، ممن قد تدخل تلك الحروب إجبارا أو اختيارا أملا في الحفاظ على حق أجيالها المستقبلية في الحياة ونقطة المياه.

البداية كانت من صحيفة «ميل أند جارديان» البريطانية، التي عنونت موضوعها بـ«الحروب المائية تغسل العالم»، وذلك في إشارة منها إلى أن خريطة العالم - كما نعرفها الآن- ستشهد تغيرات كبيرة بسبب تقسيم الحدود المائية على نحو منافٍ لما هو عليه حاليا.

ولفتت الصحيفة، إلى أن أكبر خمس مناطق حول العالم ستشهد تغيرات بسبب حروب المياه ستكون: منطقة حوض النيل في القارة الإفريقية، ونهر الغانج- براهمابوترا في شبه القارة الهندية، ونهر السند في شبه القارة الهندية كذلك، ونهري دجلة والفرات في آسيا، ونهر كولورادو في أمريكا الشمالية.

وقالت «ميل أند جارديان»، على نسختها الإلكترونية: «كل هذه المناطق بها أحواض مملوءة بالفعل بالمياه، ولكنها على مشارف التعرض لموجة عطش كبرى، حيث تتأجج النزاعات بين الأطراف الدولية في كل منها بسرعة كبيرة في الفترة الحالية، وقد تخرج الأمور عن حدود السيطرة الدبلوماسية في أي لحظة».

وتوضح الصحيفة، أن هذه المناطق المعرضة للخطر قد تواجه «مشكلات مائية - صحية» بسبب نقص المياه في غضون الـ50 إلى 100 عام القادمة.

وأشارت الصحيفة، إلى أن ندرة المياه ليست الدافع الوحيد للحرب، فهي مساهم رئيس في ذلك، وأوضح الباحثون أن التنافس على الموارد المائية المحدودة هو أحد الشواغل الرئيسة في العقود المقبلة.

واختتمت: «على الرغم من أن قضايا المياه وحدها لم تكن السبب الوحيد أو الرئيس للحرب في الماضي، إلا أن التوترات بشأن إدارة المياه العذبة واستخدامها، تمثل إحدى القضايا الأساسية في العلاقات السياسية بين الدول المطلة على الأنهار، وقد تؤدي إلى تفاقم التوترات القائمة في المستقبل، وتزيد من عدم الاستقرار الإقليمي والاضطرابات الاجتماعية».

على صعيد آخر، قالت صحيفة «ديلي تايمز» العالمية، إن الصراعات المائية الحالية، سواء كانت بسبب نقص الموارد أو السدود أو الخلافات على حروب الأنهار، فستؤدي إلى نتيجة واحدة لا محالة، وهي اشتعال حرب دامية على امتلاك الذهب الأزرق، الذي استبدلت حروبه الذهب الأسود، بعد نفاد العديد من مصادر البترول حول العالم، بسبب الصراعات عليه.

وقالت: «نظرا لأن العالم قد شهد حروبا عنيفة بحثا عن النفط، فمن المحتمل أن يشهد جولة أخرى من الحروب على المياه».

وأضافت الصحيفة: «يدق نفاد موارد مياه الشرب ناقوس الخطر في جميع أنحاء العالم، لا سيما بعد ظهور موجة جديدة من النزاعات العالمية المستقبلية في السعي لاحتلال خزانات المياه المتوافرة. ومن ثم، فإن ندرة هذا المورد، على وجه اليقين، تهدد بقاء البشرية بحد ذاتها».

واختتمت: «لسوء الحظ، دفعت أعداد السكان المرتفعة والنمو الصناعي السريع والتغير الهائل في المناخ العالمي العالم إلى نشوء ظاهرة «إفلاس المياه». واليوم، يعاني عالمنا من نقص حاد في مياه الشرب العذبة. وبالنسبة للدول المتصارعة، فحروب المياه ستكون معركة من أجل البقاء، ومسألة حياة أو موت».

وفي نفس السياق، يبرز موقع «ذا كريستيان ساينس مونيتور»، مدى خطورة حروب وندرة المياه المستقبلية على منطقة الشرق الأوسط على وجه التحديد، التي يوجد بها 6 دول قد تتعرض لصراعات من هذا النوع، وتلك الدول هي: «مصر، السودان، سوريا، العراق، الأردن، فلسطين».

وبالرغم من أن أسباب الصراعات المائية في تلك الدول مختلفة ومتعددة، إلا أن جميعها يشترك في الاحتمالية الكبيرة للتعرض لخطر الجفاف، خلال عقود المستقبل القريب.

ويتدخل عنصر الحرب الأهلية والدولية إلى حد كبير في طرح المزيد من أسباب الصراع المائي في بعض من تلك الدول، فسوريا والعراق مهددتان بشكل كبير بسبب النزاعات الطائفية والحروب الأهلية فيهما بتبوير مصادر المياه العذبة الرئيسة، بشكل طوعي أو إجبار، كجزء من الحرب الكيميائية بين بعض تلك الطوائف.

أما مصر والسودان فتعانيان من أزمة سد النهضة الإثيوبي، الذي يتوقع تقليصه لحجم المياه المتوافرة للدولتين بقدر الثلث أو أكثر خلال العقد المقبل.

وتسببت الحرب الإسرائيلية في فلسطين من ناحية والشريط الحدودي للأردن ولبنان من ناحية أخرى، في تدمير بعض من أهم مصادر المياه في تلك الدول.

ويقول «ذا كريستيان ساينس مونيتور»: «تاريخيا، كانت منطقة الشرق الأوسط الأكثر جذبا للحروب والصراعات المسلحة على مر التاريخ، واليوم تشكل المياه سببا آخر للحرب بين دول المنطقة، المتنازعة مع جيرانها أو مع دول أخرى من خارجها على مصبات المياه والأنهار والسدود الجديدة».

وحسب الموقع، يعتقد العلماء أيضا أن آثار تغير المناخ والنمو السكاني يمكن أن تزيد من احتمال حدوث نزاعات مرتبطة بالمياه.

ويقول: «ربما يقوض ميزان القوى الحالي في منطقة حوض نهر الأردن بنقص الموارد الناجم عن التغير المناخي؛ إذ تتنبأ النماذج المناخية المتطورة بأنَّ نقص المياه بتلك المنطقة في القرن الـ21 يمكن أن يصل إلى مستويات كارثية ما يهدد باندلاع حرب على المياه في الشرق الأوسط».

ووفقا لدراسة أجراها في عام 2010 العلماء جيني ساورز وأفنر فينغوش وإريكا واينثل، سوف تشهد المنطقة نقصا بنسبة 25 % في كمية الأمطار، التي تهطل سنويا بحلول نهاية القرن الـ21، كما أن نصيب الفرد من إمدادات المياه سوف يقل أكثر من النصف.

وأضاف الموقع: «بعض البلاد، التي ضعفت بالفعل من الحرب الأهلية وانعدام الاستقرار السياسي، ستتأثر بنقص المياه أكثر من بلاد أخرى. على سبيل المثال، يتوقَع أن تواجه سوريا شحا مائيا هائلا، بسبب تأثير التوترات العسكرية خلال السنوات الماضية عليها»، كما توقع تقرير التنمية البشرية الذي يصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي انخفاضا في توافر المياه بسوريا بنسبة 50 % بحلول عام 2025.

وسلط موقع «ياهو نيوز» الضوء على نقص المياه العذبة بشكل هائل في الفترة الحالية، بسبب تغيرات المناخ، التي يمر بها كوكب الأرض وتؤدي إلى تبخر جزء كبير من تلك المياه دون تعويضها.

وأشار الموقع، إلى أن العديد من القادة السياسيين لا يتخذون خطوات جادة في طريق حل أزمة تغير المناخ، بالرغم مما يواجهه العالم من عواقب كارثية بسببها، التي كان آخرها الاحتراق الهائل في الغابات الأسترالية، الذي استمر لقرابة الـ3 أسابيع دون أن تتمكن الحكومة من السيطرة عليه، ولم تهدأ المنطقة، إلا عقب الأمطار التي سقطت على أماكن الحرائق.

وقال الموقع: «إذا تكرر سيناريو حرائق الغابات الأسترالية ولم تسقط الأمطار هذه المرة فسنكون أمام كارثة فادحة بكل المقاييس، وبدراسة أرقام وبيانات احتمالية سقوط الأمطار المتناقصة في عدة دول مستقبلا فمن المؤكد أن العالم سيواجه كارثة مشابهة لا محالة».

ختاما، عرض موقع بروجكت سنديكيت الأمريكي مجموعة من الدراسات والإحصاءات، التي يتنبأ فيها علماء المناخ بحدوث موجة احترار كبرى في الأرض خلال 12 عاما فقط من الآن، التي ستكون سببا رئيسا هي الأخرى في تبخر العديد من مصادر المياه العذبة، وتؤدي بشكل مباشر إلى انتشار ظواهر الجفاف والتصحر ونقص الغذاء وندرة العديد من فصائل الحيوانات والنباتات.

وطالب الموقع حكومات العالم بوجه عام، والحكومة الأمريكية على نحو خاص باتخاذ خطوات أكثر جدية للتصدي لتلك الكارثة الكبيرة، ومحاولة منعها أو تأخيرها على الأقل. وقال: «إذا لم يتخذ قادة الدول المتنازعة وغير المتنازعة على المياه حول العالم خطوات جادة بإرادتهم الآن، فستوجه الطبيعة صرختها لهم، وتفرض الحروب الناتجة عن شح المياه ضربتها القاضية لهم».