د. إبراهيم العثيمين

خلال زيارته إلى شرق أفريقيا في عام 2017، ذكر أردوغان في كلمته «أن تركيا تولي اهتماما كبيرا بالقارة الأفريقية، وسياستها تجاهها لا تشبه أي سياسات أخرى، وهي على ثقةٍ أنّ النصف الثاني من القرن الحالي سيكون عصر أفريقيا الحقيقي...على أفريقيا أن تختار شركاءها بعناية، في مسيرة كفاحها لإثبات نفسها». فلفترة طويلة اتخذت تركيا إجراءات متواصلة من أجل تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في أفريقيا. ففي عام 1998 أعدت الدوائر المختصة بالتخطيط ورسم السياسة الخارجية في تركيا خطة اسمتها «خطة الانفتاح على أفريقيا» تحاول من خلالها إعادة تنشيط العلاقات مع قارة أفريقيا، من خلال زيادة عدد البعثات الدبلوماسية، وزيادة المساعدات الإنسانية والتنموية، وتشجيع زيارات رجال الأعمال. وفي عام 2003 أعدت مستشارية التجارة الخارجية في الجمهورية التركية «إستراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية». وفي عام 2005، أعلنت تركيا أن هذا العام هو عام أفريقيا، حيث سُلِّطَ الضوء على الإمكانات الاقتصادية بين تركيا والدول الأفريقية. وتطورت على أثر ذلك وبفضل زيادة عدد الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، العلاقات التركية - الأفريقية، وتوجت في العام نفسه بنيل تركيا صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وكلفت سفارتها لدى أديس أبابا لتكون السفارة المعتمدة لدى الاتحاد الأفريقي. وقد أفضى ذلك إلى آلية انعقاد القمة التركية - الأفريقية بشكل دوري، حيث عقدت أول قمة تركية أفريقية في أسطنبول في العام نفسه (2005م)، ثم عقدت قمة تركية - أفريقية ثانية في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية عام 2014م. وكان من المقرر أن تشهد أنقرة انعقاد القمة الثالثة في عام 2019. كما اتخذ الاتحاد الأفريقي قرارًا بالإجماع في القمة العاشرة، التي عقدت في أديس أبابا في عام 2008م بإعلان تركيا شريكًا إستراتيجيًّا له. وبالتالي فبعد أن كان إجمالي قيمة 15 مشروعا تتولاها شركات المقاولات التركية بعموم القارة لا يتجاوز 769 مليون دولار في عام 2002 تجاوز هذا الرقم وتضاعف إلى أن أصبح إجمالي قيمة المشاريع، التي تتولاها الشركات التركية بعموم أفريقيا 64 مليار دولار في عام 2017.

أما من الناحية السياسية، فالمشروع التركي لا يختلف كثيرًا عن المشروع الإيراني في محاولة ضرب مفهوم الدولة الوطنية في المنطقة عبر استخدام جماعات إرهابية مثل تنظيم الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي الأخرى لإحياء السلطنة على حساب الأمة العربية. فالنفوذ التركي في أفريقيا تركز على مناطق رئيسة كالسودان بهدف تطويق مصر واستهداف السعودية، وليبيا عبر دعم التنظيمات الإرهابية، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، بهدف إطالة أمد الأزمة الليبية، وعرقلة القضاء على التنظيمات الإرهابية، وضرب التسوية السياسية، لاستهداف أمن واستقرار مصر، التي تحد ليبيا من الشرق، إلى جانب الاستفادة من تغذية الأزمة الليبية باتخاذها مركزًا للتمدد وتثبيت الوجود في القارة الأفريقية، ودول القرن الأفريقي من خلال الاستفادة من الصراعات المحلية لتثبيت نفوذها في المنطقة. فقد كانت تركيا تعول كثيرًا على العلاقة مع إثيوبيا، التي تعد أكبر دول القرن الأفريقي وتقع في قلبه، وأن السيطرة عليها يضمن لتركيا دورًا محوريًّا في المنطقة، حيث تتحكم في منابع النيل الأزرق، الذي يشكل ما بين 80% و85% من إجمالي مياه نهر النيل، ولذلك، كانت أنقرة تعول كثيرًا على استمرارية الصراع الإثيوبي - الإريتري، وسعت في محاولات عدة لإفساد المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا، وهو ما أكدته وزارة الإعلام الإريترية, التي اتهمت تركيا بالقيام بأعمال تخريبية هدفها الأساس عرقلة عملية السلام.

أخيرا يمكن القول إن التغلغل التركي في أفريقيا حقيقة وخطر يهدد دول الجوار، ولعل سياسة تصفير الأصدقاء، التي انتهجتها تركيا مؤخرا من خلال توسيع الخلافات مع العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بالمنطقة قد يحد من توسيع نفوذها في أفريقيا إلا أن ذلك يتطلب تحركا سعوديا سريعا للحد من هذا النفوذ، فالأحداث في المنطقة أثبتت أن تحقيق الأمن الإقليمي لا ينفصل عن مواجهة سياسات عدم الاستقرار، التي تعاني منها أقاليم مجاورة ومنها القارة الأفريقية.

@Alothaimin