د. بندر عبدالعزيز المنقور

يحرص الكثير منا على الحصول على شهادة جامعية من أجل ضمان وظيفةٍ جيدةٍ تمنحه «الاستقرار المالي»؛ ولكنك -مع الأسف- تجد الكثير من الخريجين يتوقف طموحهم عند الشهادة التي استلموها؛ بدلاً من أن يثمنوا عملية التعلم أو كسب المعرفة التي خاضوها ويستمروا بها، وبينما زاد عدد الخريجين في بلدنا خلال السنوات الأخيرة فقد قلّت القيمة المضافة بعد التخرج؛ ولذلك فنحن بحاجة ماسّة إلى إعادة النظر في دورة عملية التَّعَلُّم من قاعات الدراسة إلى التوظيف -أي مواكبة التعليم لسوق العمل- حتى يكون بوسع الأجيال القادمة التكيّف بسهولة مع سوق العمل، هناك الكثير من التحديات التي يواجهها الخريجون عند انخراطهم في سوق العمل، إضافة إلى الإحباط المتزايد الذي تعبر عنه جهات التوظيف عند التواصل معهم؛ لاسيما نحو جاهزيتهم للوظائف وقدرتهم على إضافة قيمة فورية إلى مكان العمل؛ وهنا تكمن مشكلة إيجاد الخريجين الأكفاء والملائمين وتوجيههم وتطوير مهاراتهم، فالكثير من الشركات تتباكى على الوقت والمال، الذي يستنزف من أجل تحسين مهارات الخريجين لكي يكونوا قادرين على أداء عملهم على أحسن وجه وبشكلٍ يوازي المهارات، التي صقلتهم وجعلتهم ناجحين في قاعات الدراسة، لذلك يبقى السؤال المُلح عن مدى فاعلية تطبيق ما تعلمه هؤلاء الخريجون في الجامعة في مجال العمل.

تحتاج كل جهات التوظيف (من شركات ووزارات وهيئات...) إلى مهارات محددة وليس مجرد ألقاب كمهندس أو كيميائي أو مدير... إلخ؛ حيث تكمن المشكلة في أن كثيرا من الوظائف المتوافرة تتطلب مؤهلات أو مهارات أكثر مما يمتلكه الخريجون، مما يؤدي الى صعوبة إيجاد موظفين مؤهلين في بعض التخصصات المطلوبة، من الواضح أيضاً أن كثيراً من الخريجين ينتهي بهم الأمر إلى وظائف لا تتلاءم البتة مع تعليمهم، مع الأسف فإن كثيراً من الخريجين لا يعملون في وظائف تتطلب درجة جامعية حتى بعد مضيهم سنوات من تخرجهم، والكثير منهم يعملون في وظائف لا تتوافق أو حتى تتطلب مؤهلاتهم الأكاديمية. الحقيقة المرة هي أن الكثير من هذه الوظائف تتطلب الكثير من المهارات مقارنة بتلك التي يمتلكها معظم الخريجين، وهذا السبب الجوهري الذي يحتم علينا إعادة بناء القدرات البشرية وتنمية القوى العاملة بدلاً من عرض الكثير من البرامج والشهادات الجامعية، يجب على كل الجامعات العمل وفق خطة موحدة كمحرك كبير للنمو الحضاري، والعمل على تطوير وصقل المواهب والمهارات.

باختصار: ينبغي علينا إعادة التفكير في كثير من الأمور، التي تتعلق بالنموذج الحالي للتعليم الجامعي؛ فالمستقبل حليف الشركات والأفراد الذين يهتمون بالتعليم بالتوازي مع العمل، خاصةً مع وجود دورات تعلُّم عن بعد عبر شبكات الإنترنت، أعتقد جازماً بأن النجاح في المستقبل لن تحدده درجة علمية، بل الإمكانات والقدرة على التَّعَلُّم والتطبيق والتكيّف.

balmangour@gmail.com