عبدالله الغنام

من المؤكد أننا لاحظنا كثرة المطاعم في عدة طرق رئيسية وحتى الفرعية. وبات شبه مألوف تراصها جنبا إلى جنب على اختلاف المسميات والأشكال. وإذا أضفنا لها انتشار عربات الطعام (Food Truck) وأيضا الزيادة الكثيفة للمقاهي فسيعتقد البعض أننا نعيش لنأكل!

والحقيقة أنها أصبحت ظاهرة اجتماعية جديدة تحتاج إلى تأمل وتمعن، ودراسة سيكولوجية وطبية واقتصادية. بل هي غيرت وستغير أكثر في نمط الحياة الغذائية للأسرة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.

وأما إذا تفحصنا هذه الظاهرة بالأرقام، فبحسب واس (3 مايو 2019)، فهناك نمو بنشاط المطاعم بنسبة 19% مقارنة عام 2017 م بعام 2018م. بينما بلغ إجمالي السجلات التجارية لنشاط المطاعم 64074 سجلا!. بحسبة بسيطة يعني أن هناك مطعما لكل 515 شخصا في المملكة (عدد سكان المملكة تقريبا 33 مليونا).

إن من الأسباب الرئيسية في انتشار المطاعم وإقبال الناس عليها هو تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إن الكثير ينقل تجاربه المباشرة للمتابعين عن أنواع المأكولات والمشروبات مما يؤثر عليهم إما تقليدا أو على الأقل طمعا في الاستمتاع بشيء جديد في الظاهر. بالإضافة إلى ذلك إن أولئك المشاهير على (السوشيال ميديا) لا ينفكون عن الدعاية والإعلان لمختلف الوجبات والأطعمة والمطاعم. حتى أصبح الأكل فيها هو الظاهرة الأكثر انتشارا على حساب الطعام (البيتوي) والاجتماع الأسري.

في الغالب المطاعم هي لجذب السياح أو من أجل التغيير وتلطيف الأجواء الأسرية في نهاية الأسبوع وعند المناسبات الخاصة، ولكن الملاحظ أنها مكتظة بالرواد حتى في وسط الأسبوع وخصوصا مطاعم الواجبات السريعة، والتي أصبح من المعلوم أثرها السيئ على الصحة بشكل عام، حيث إنها تحتوي على كميات كبيرة من الدهون والسكريات، وهي من مسببات زيادة الوزن والسمنة، وكثرة الدهون في الوجبات الغذائية تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب بسبب ارتفاع نسبة الكولسترول.

مختلف الدراسات الطبية تؤكد أن الإسراف والإكثار منها (الوجبات السريعة) له مضار صحية، وبقليل من البحث في الإنترنت ستجد الكثير من الدراسات والنتائج تؤكد على ذلك، ومن علامات انتشار مطاعم الوجبات السريعة هو التغيير في الذوق العام للمجتمع، ودلالة على الانفتاح على العولمة والتي دخلت بدون استئذان من أوسع أبوابها عن طريق الجوال ووسائل التواصل الاجتماعي لتؤثر في السلوك والمفاهيم.

ومن مؤشرات كثرة المطاعم أن هناك قلة من الذين ما زالوا متمسكين على الالتقاء اليومي في البيت على وجبة واحدة مثل: الغداء أو العشاء. وليس المقصد من اجتماع الأسرة على الوجبة المنزلية هو الأكل فقط، بل هو لقاء أسري نفسي وتربوي يفتقده كثير من الناس بسبب الانشغال بجدول الأعمال الحياتية والعملية عمن هو أهم (العائلة)!

والجانب الآخر أنه مع كثرة الاعتياد والاعتماد على المطاعم سيؤثر حتما على الميزانية الشهرية للأسر من ذوي الدخل المحدود وحتى الأسر من الطبقة الوسطى؛ بسبب الارتفاع الملحوظ في أسعار الوجبات والعصائر والقهوات المتنوعة، ويرجع ذلك إلى التكاليف الباهظة للديكورات وتكلفة الأيدي العاملة من أجل جذب عدد أكثر من الناس، وتلك المصروفات هي في الأصل كانت على رب الأسرة من الكماليات واليوم أصبحت كأنها من الضروريات!!

ومع الاهتمام المفرط بالشكل العام للمطاعم والوجبات المقدمة وعجعجة الأطعمة المطبوخة وصخب المكان أصبحت الجودة ونوعية الطعام الغذائي ليست من الأولويات، وأصبح أيضا الاهتمام بالشكل أكثر رواجا على حساب المضمون من حيث الأطعمة الطازجة والعضوية.

المسألة برمتها تحتاج إلى وعي من رب الأسرة، فليس كثرة الأكل والشرب وكثرة ارتياد المطاعم تدل على الاهتمام والرعاية، بل الأهم من ذلك كله هو لمة العائلة واجتماعها على المائدة في البيت لما لها من بصمة تربوية في نفوس الأبناء، وهي التي سيبقى أثرها وذكرها طويلا في أذهانهم.

abdullaghannam@